Site icon IMLebanon

لا جدوى من الحوار والمطلوب الحسم لإستعادة السيادة

 

 

 

في الوقت الذي كان ينتظر فيه لبنان والعالم العربي والمجتمع الدولي ما ستسفر عنه جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة في الخامس من ايلول، بعد استماعها الى رؤية قيادة الجيش لتنفيذ قرار مجلس الوزراء في الخامس والسابع من آب حول موضوع حصرية السلاح بيد الجيش وما يستلزم ذلك من اجراءات لجمع سلاح حزب الله، ووضعه بحراسة الدولة.

جاء خطاب الرئيس نبيه بري في الذكرى الـ47 لتغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه مخيِّباً لآمال اللبنانيين ولتوقعات القوى الخارجية، حيث فضَّل الحفاظ على موقعه في الثنائي الشيعي على كونه جزءًا اساسياً في كيان السلطة.

 

قدّم الرئيس بري في خطابه تصوراً يجمع بين قرار حصرية السلاح المتخذ في مجلس الوزراء والبحث في استراتيجية الامن القومي، وبما يعني احالة الموضوع الى حوار وطني وبالتالي شل آلية قرار مجلس الوزراء في جلسته المقبلة بعد تقديم قيادة الجيش لخططها الخاصة بالتنفيذ، وفق روزنامة زمنية، تحقق ارادة السلطة التنفيذية وتحظى بالرضى والدعم العربي والدولي وتحقق امال اللبنانيين.

تجاهل الرئيس بري في خطابه مسؤوليته كرئيس للمجلس النيابي وما يترتب عليها من واجبات لتوجيه السلطة التنفيذية، ومراقبتها وتصحيح اخطائها، مفضِّلاً البقاء في موقعه السياسي والطائفي كرئيس لحركة امل وكطرف اساسي في الثنائي الشيعي. واسارع الى القول بأن الرئيس بري قد تجاهل ايضاً كل المتغيرات التي طرأت على المشهدين الاقليمي والداخلي. لم يعد الشرق الاوسط على حاله مثل ما كان عليه في عامي 1983 و1984. لقد تغيرت كل المعادلات الداخلية كما تغيرت موازين القوى الاقليمية والدولية، وهي ترخي بنتائجها واوزانها على الاوضاع الداخلية اللبنانية وعلى علاقات لبنان مع جارتيه سوريا واسرائيل.

 

تفرض هذه الاوضاع الجديدة المحيطة بلبنان وفي دينامياته الداخلية تخلي حزب الله عن قوته العسكرية في مقاربته للعب دوره كقوة سياسية وكحزب سياسي لبناني، متمثل بكتلة نيابية ومشارك في الحكومة الراهنة. في رأينا لم يعد من الممكن او الجائز ان يستمر حزب الله في استعمال الدعم الذي تقدمه ايران لفرض ارادته السياسية والامنية على اللبنانيين على غرار ما فعله بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان. ولا بد ان يدرك حزب الله بأن نتائج الحرب الاخيرة مع اسرائيل، والتي لم تقتصر على المواجهات داخل لبنان بل تعدتها لتشمل ايران، مع دخول الولايات المتحدة الاميركية بقدراتها العسكرية المتفوقة، كفريق في الحرب، ستفرض حصول تغييرات جوهرية في الجيوبوليتيك الاقليمي، وخصوصاً في كل من لبنان وفلسطين وسوريا بعد سقوط نظام بشار الاسد.

في ظل هذه المتغيِّرات الدراماتيكية التي حصلت جراء عملية «طوفان الاقصى» والعملية التي نفذتها حماس في غلاف غزة في السابع من اكتوبر 2023، تضافرت الجهود الاميركية والفرنسية والسعودية لاحداث تغيير سياسي في لبنان، والتي اثمرت بانتخاب العماد جوزاف عون كرئيس للجمهورية وبتسهيل تسمية القاضي نواف سلام، من خارج المجتمع السياسي التقليدي كرئيس لحكومة «تكنوقراط» قادرة على قيادة البلاد، مع توجُّه فعلي وفاعل لاخراج لبنان من ازماته المزمنة والمتمادية، وعلى رأس اولوياتها استعادة السلطات الدستورية للسيادة الوطنية، بدءاً من حصر السلاح بيد الدولة، واستعادة قرار السلم والحرب، الامر الذي ركز عليه خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة السلامية، والذي جرى ترجمته لاحقاً بقرار اتخذ في مجلس الوزراء يقضي بجمع السلاح من حزب الله ومن الفئات المسلحة الاخرى، وخصوصاً في المخيمات الفلسطينية.

ويحاول الرئيس عون وحكومته الاستفادة من نتائج الحرب لإقناع حزب الله بضرورة نزع سلاحه، والاستمرار في عمله كحزب سياسي بدلاً من دوره كقوة عسكرية، جلبت الويل والدمار للبنان تكراراً في عام 2006 وفي عام 2024، مع فارق كبير في المخاطر الكبرى التي خلفتها الحرب الاخيرة سواء لحجم الدمار او لاستمرار اسرائيل في احتلالها لاراض لبنانية، ومتابعة عملياتها العسكرية اليومية.

في ظل المسعى الدستوري والعسكري الحثيث الذي تبذله الحكومة لمواجهة هذا الاستحقاق الكبير، يبدو بأن حزب الله ومعه ايران يعارضان بشدة مندرجات قرار 27 تشرين الثاني 2024 والذي قضى بتنفيذ القرار 1701 (الذي فاوض عليه الرئيس بري شخصياً نيابة عن حزب الله، ووقعته حكومة ميقاتي). ازدادت هذه المعارضة لقيادة حزب الله لنزع السلاح بعد زيارة علي لاريجاني الاخيرة لبيروت، والتي دعمتها تصريحات المسؤولين الايرانيين من طهران، وبالرغم من اجواء التصعيد في خطاب امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم وبعض القيادات الدينية الشيعية، فقد حال تدخل الرئيس بري من تفلُّت الشارع الشيعي وذلك لإدراكه بأن الشارع سيقابله شارع آخر، وفق ما صرح به الرئيس سلام، والذي تلقى جرعة دعم كبرى من دار الافتاء وتحديداً من المجلس الشرعي الاعلى، والتي لا بد ان تحفزه للسير قدماً في قرار حصرية السلاح في جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة المقبل وبعد الاطلاع على الخطة التي وضعتها قيادة الجيش، مع توقع مناقشتها من قبل المجلس في جلسة واحدة او جلستين لمجلس الوزراء.

في ظل رفض حزب الله ومن ورائه ايران لقرار مجلس الوزراء واردة اكثرية الشعب اللبناني المطالبة بحصرية السلاح. فإن الحكومة ستواجه مهمة شاقة في وضع حدِّ لتمرد قيادة حزب الله ومنع وصول الدعم المالي وبالسلاح للحزب، وهي مهمة شبه مستحيلة اذا لم تتوافر لها المساعدة الخارجية، وخصوصاً من الولايات المتحدة، والتي تبدأ من اقناع اسرائيل بوقف عملياتها العسكرية اليومية والانسحاب من المناطق التي تحتلها في الجنوب واعادة الاسرى اللبنانية لديها. ولا بد هنا من التذكير بمساعدات والدعم الذي يحتاجه الجيش اللبناني، تحوّطاً لحدوث تطورات ميدانية تؤدي الى مواجهة عسكرية مع الحزب، قد لا تكون مقصودة او مخططاً لها بل تأتي نتيجة خطأ يرتكبه احد الطرفين.

من المتوقع ان يواجه مجلس الوزراء معارضة من الوزراء الشيعة في جلسة يوم الجمعة المقبل، مع امكانية خروجهم من الجلسة، ومع امكانية تقديم دعم سياسي قوي من حزب الله ومن الرئيس بري، الامر الذي قد يترجم في الايام اللاحقة الى تحركات فوضوية في الشارع، وذلك في محاولة لاثارة الخوف والرعب من امكانية حصول تفلت امني يؤدي الى اشعال نار الفتنة.

لكن يجب ان لا تؤدي هذه التطورات مهما اشتدت الى تراجع في موقف السلطة التنفيذية، وتأجيل تنفيذ قرار حصرية السلاح بحجة العودة الى طاولة الحوار، والتي اثبتت فشلها تكراراً في الماضي، ولا بد في النهاية من السير قدماً في قرار استعادة السيادة.