كان لافتاً، أمس، أن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا بـ»خبرية» مفادها أنّ رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون هو حفيد آخر وزير داخلية في عهد السلطنة العثمانية، وقد فاز جونسون برئاسة حزب المحافظين بفارق كبير عن منافسه جيريمي هانت بأكثر من الضعف (٩٢ ألف صوت مقابل ٤٦ ألفاً)، وهو يعبّر عن اعتزازه بأنه يمثل مزيجاً من الديانات الموحدة الثلاث باعتبار أنّ والده الاقتصادي البريطاني ستانلي جونسون (المسيحي) ووالدته شارلوت وال المتحدرة والدتها من أصل يهودي روسي، بينما جدّه المسلم التركي الذي اختفى بعدما كان معارضاً قوياً للجمهورية بقيادة «أتاتورك» الذي أعلن النظام الجمهوري العلماني في أعقاب الخلافة الاسلامية التي زالت في أواخر الحرب العالمية الأولى… علماً أنّ الزوجة الأولى لرئيس الوزراء البريطاني الجديد أعلنت إسلامها بعد انفصالها عنه (١٩٩٣) وارتباطها بمسلم من أصول باكستانية.
هذا «المختصر المفيد» لسيرة رئيس وزراء بريطانيا الجديد من شأنها أن ترشحه ليكون رجل الإعتدال في المطلق، إلاّ أنّ المعلومات المتوافرة عنه تشير الى أنه أكثر ما يكون بعداً عن الديبلوماسية، وهو كثيراً ما يلتقي في أفكاره المتطرفة مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
وبالتالي ليس غريباً أن يبادر الى الإعلان عن تصميمه على حتمية إنهاء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكست)، وهذا الأمر قد يعيد الحرارة الى الحرب الباردة التي أصابها الجمود إثر سقوط الاتحاد السوڤياتي… فيعود سباق التسلّح، الذي لم يتوقف أصلاً، الى الواجهة ما يرافقه استقطاب الدول بين القطبين الكبيرين واشنطن وموسكو.
أمام هذه الوقائع يهمنا، في المنطقة، أمران متلازمان: القضية المركزية التي هي قضية فلسطين (المعروفة بـ»قضية الشرق الأوسط») وقضية التوسّع الايراني على حساب البلدان العربية.
ماذا سيكون الموقف البريطاني مع جونسون؟ خصوصاً وأنّ «حرب الناقلات» مشتعلة بين لندن وطهران في وقت كانت رئيسة الوزراء المستقيلة «ماي» تعالج هذه الأزمة «بالتي هي أحسن» أي بالاسلوب الديبلوماسي، مع الملاحظة أنّ ترامب بدأ يسحب يده من أزمة الخليج والبحر الأحمر بإعلانه أنّ على بريطانيا أن «تقبّع شوكها بيدها»، وليس مفروضاً في أميركا أن تدافع عن مصالح الغرب في الخليج ومضيق هرمز.
قد يكون مبكراً الحكم على جونسون… فلا بد من التريّث قليلاً لمعرفة الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المسار الذي سيتخذه الرجل خلال واحدة من أكثر المراحل الإقليمية خطورة ودقة.