IMLebanon

عقدة الأسد

في الوقت الذي انحسر فيه خطر تحول اليمن الى محمية ايرانية أخرى على غرار العراق وسوريا واستمرار معاناة لبنان من سيطرة حزب الله الايراني الولاء، تشكل سوريا مركز النقل الرئيسي للنشاط الدبلوماسي الذي يتقاطع عنده حراك العديد من القوى العالمية والاقليمية بحثاً عن حل للأزمة السورية. لقد شهدت المنطقة العربية تطويراً نوعياً في الوضع العراقي حيث تحت ضغط شعبي غير مسبوق، رضخ رئيس الحكومة العراقية حيدر عبادي لمتطلبات الاصلاح العاجل ليجنب العراق كارثة الوقوع في الافلاس. فاذا بمرحلة حكم نوري المالكي بعد سقوطه تتكشف عن فضائح مالية وسرقات موصوفة وهدر لا يصدق للمال العام. فمرحلة الوصاية اعلامية الايرانية للعراق كانت تتستر وتغطي كل هذا الحكم الاسطوري من الفساد.

وان يتخذ العبادي اجراءات جريئة وحازمة لوقف الهدر ومحاسبة الفاسدين وسوق المتهمين الى المحاكم كان له وقع طيب في نفوس العراقيين، لا سيما وأن بعضاً من الفضائح المدوية تناولت تسليم تنظيم الدولة (داعش) مدنا ومحافظات باسرها من دون قتال، فأي صفقة جهنمية كانت وراء انسحاب الجيش المفاجئ من الموصل؟

ان عبادي قد اندفع في سلوك طريق بات من الصعب جداً عليه التراجع عنه والنكوص الى الوراء مما يضعه شاء أم أبى، في دائرة الخطر، حتى ولو حظي بعطف بعض المراجع الدينية التي هالها ان يصل العراق لشفير الافلاس. الا ان تدابير الاصلاح والمحاسبة والمساءلة التي بدأت لتوها الآن لا تعني بالضرورة استخلاص العراق من القبضة الايرانية كما يحلو لنا ان نتصور لان ثمة مسارب كثيرة للتدخل الايراني في الشأن العراقي ويتطلب تعطيلها تشكل فريق عمل كبير يملك ثقلاً جماهيرياً واسعاً وعودة الوعي الوطني بواجهة الانقسام المذهبي خصوصاً وأنه ما زالت المعركة بمواجهة «داعش» في أوجها، فكيف بالامكان مقارعة الارهاب عسكرياً وأنت في آن معا بحاجة للدعم الايراني العسكري بل للتحالف الاممي الذي هو نفسه يعمل على ضم ايران لصفوفه؟ ان نظرة قادة النظام في طهران للشعوب العربية وعواصمهم ما زالت نظرة السيد الحاكم لأتباعه الخاضعين، وهم لا يخفون ذلك قط.

ان الحراك الواعد للشارع العراقي لن يصرف انظارنا عن أهمية الوضع السوري. ذلك ان العديد من القوى العالمية والاقليمية منكبة الآن على مستقبل سوري. فأميركا وروسيا تدعيان العمل على ايجاد حل سياسي للأزمة السورية. وتشترك في هذه المساعي كل من ايران وتركيا والسعودية. هذا في الوقت الذي أوكلت دول الخليج للرياض متابعة هذا الملف الساخن، تماماً كما تركت دول الاتحاد الأوروبي لأميركا القيام بهذه المهمة.

تظلل الشكوك المبادرة الايرانية وشروطها الأربعة التي وضعتها لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية فطهران تعتبره اساساً صالحاً للنقاش يمكن البناء عليه للتفاوض الجدي مع بقية الأطراف المعنية، الا ان سياسة التساوق والتلازم بين زيارات محمد جواد طريف الناعمة وتصريحات روحاني الهادئة واستمرار تصلب قيادات الحرس الثوري ونهجها الصدامي لا تفسح في المجال امام اي تقدم عملي لحل الأزمة السورية. فعندما تطرح طهران مقترحا بإنشاء «حكومة وطنية موسعة» في سوريا فان الغاية الحقيقية منها هي الالتفاف والانقلاب على بيان جنيف، الذي نص على إنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات واسعة وتنفيذية، وبالأخص تلك الفقرة التي تحدثت عن «مرحلة ما بعد الاسد» وفي المقابل، تدعو طهران بعد شرطيها بوقف النار وإنشاء حكومة توافق وطني (على الطريقة اللبنانية) إلى تعديل الدستور السوري بما يضمن حقوق الأقليات الدينية والإثنية وأخيراً إلى إجراء انتخابات بوجود مراقبين دوليين، وبذلك تنصب إيران نفسها وصية على سوريا وراعياً لتعديل الدستور السوري. وكل ذلك يجب أن يتم في الوقت الذي يجري فيه سحق داعش ومثيلاتها على أرض سوريا. فكيف يتم ذلك؟

أما موسكو، فتشارك طهران أولوية بقاء الأسد كضرورة لسحق داعش وتعتقد أن إزاحته ستؤدي إلى انهيار النظام السوري، وأن الحل السياسي يجب أن يتم ببقاء الأسد ولو لفترة انتقالية فقط ريثما يتم الخلاص من «داعش».

إلا أن واشنطن تعتبر أن الحؤول دون انهيار النظام في سوريا يتطلب إزاحة الأسد. وهي تصغي باهتمام لوجهات نظر تركيا والدول الخليجية بل لبعض آراء الفصائل المسلحة المعتدلة التي تعتقد أن ثمة تناقض بين بقاء الأسد وسحق داعش وهي تحذر من انهيار قريب للنظام.

فلقد كان لافتاً في هذا الصدد الخلاف في تفسير بيان جنيف1 بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره الروسي سيرغي لافروف، في موسكو منذ أيام. فعبارة «مرحلة ما بعد الأسد» ليست واضحة تماماً لجميع الأطراف كما جرى يومها بين لافروف وهيلاري كلينتون في جنيف.

إن بشار الأسد يصفق طرباً لهذا التباين في وجهات النظر القائم لأنه يجد فيه، كما في السابق، فرصة سانحة ومتاحة لإطالة عمر بقائه في الحكم. فطهران عملياً وإن تحدثت عن حل سياسي ومقترحات، ما زالت في خندق قتالي واحد مع الأسد، لأنها ما زالت تراهن على الحل العسكري في سوريا. فقد مرّت مرور الكرام في الإعلام الإيراني مجازر دوما وداريا.. وحزب الله ما زال غارقاً في الحرب السورية.

ثمة ملاحظات على المستوى الدولي لا بد من إبدائها:

ـ عودة الحميمية والتلاقي الحار بين كيري ولافروف، ولعل أهم تعبيراته تمرير مشروع لبيان مجلس الأمن بمسودته الروسية وذلك بالإجماع الذي يفوض فيه المجتمع الدولي المبعوث الأممي «دي ميستورا» بالعودة إلى سوريا وبمقترحاته الجديدة.

ـ رفض الدول العربية والمعارضة السورية مقترح بوتين القاضي بإنشاء هيئة إقليمية مهمتها سحق داعش لأنها تضم في صفوفها بشار الأسد ونظامه.

ـ الثغرة الكبرى التي تضمنها بيان مجلس الأمن بتجديد الثقة بـ»دي ميستورا» عندما لم يحدد البيان الفترة الزمنية المتاحة أمام «دي ميستورا» وبالأخص عندما تجاهل الإشارة إلى مصير الأسد.

إن من شاهد تلفزيون الـ(CNN) ليل الثلاثاء 18 الجاري عندما عرض مشاهد تدريب 54 مقاتلاً من المعارضة السورية المعتدلة تحت إشراف البنتاغون، ليدرك إلى أي مستوى من الهزال والاستخفاف تتعاطى أميركا مع ملف الحرب السورية. لقد تمخض الجبل الأميركي فولد 54 مقاتلاً، فأي عاقل يصدق أن هؤلاء هم الذين سيضطلعون بمهام وضع حد للحرب السورية الشديدة التعقيد والضراوة؟

إن المعارضة السورية الثورية، وبصرف النظر عن الأذى والأضرار البنوية التي لحقت بها منذ انطلاقة المجلس الوطني السوري وعجزها عن احتلال موقعها الميداني في صفوف الجماهير السورية المسلحة، وهي تعي بحق التفاوت الفاضح في ميزان القوى العسكري، وحاجتها الماسة للأسلحة النوعية التي تقيمها سيطرة طهران النظام الأسدي على ساحات القتال والمواجهة، المطلوب منها الآن إعادة لملمة صفوفها واحتضان الجيش السوري الحر لمتابعة المعركة. فكما افلحت الارادة العربية في انزال الهزيمة بالانقلابيين في اليمن، رغماً عن التخاذل الدولي ورواج بازار عقد الصفقات على حساب العرب، على هذه المعارضة التشبث بالمسار السديد للثورة السورية، في رفض الأسد ووجوب رحيله وفي آن معاً مواجهة القوى الظلامية على أصنافها وتلاوينها، لإعادة بناء سوريا الجديدة معافاة من كل اشكال الهيمنة والتبعية والاستلاب.