Site icon IMLebanon

اغتيال السيد حسن وعلامات الظهور (حلقة رابعة) التصفيات من تحت إلى فوق: قطع الرؤوس والأذرع

 

 

على الرغم من أنّ أكثر من مسؤول إسرائيلي أعلن أنّ إسرائيل قادرة على اغتيال أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، وأنّها تعرف مكانه جيّدًا، لم يأخذ نصرالله هذا الكلام على محمل الجدّ. اعتبر أنّ إسرائيل تناور وتهدّد وغير قادرة على اغتياله. وحتى لو كانت قادرة فهي لن تفعل لأن حدثًا من هذا النوع يُشعل المنطقة، وحتى أميركا قد لا توافق عليه. ولكن ظهر أنّ إسرائيل كانت تنتظر الوقت المناسب لاتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه. وقد أتت الساعة في 27 أيلول 2024، عندما أيقنت أن “الحزب” لم يعد قادرًا على الرد على اغتيال سيّده بعدما دمّرت قدراته العسكرية وقتلت معظم قياداته.

 

بقدر ما يضخّم “حزب الله” احتفالاته لتكريم ذكرى اغتيال نصرالله، بقدر ما يُظهر حجم الخسارة التي لا يمكن أن يعوّضها. خسر “الحزب” في الحرب مع إسرائيل. وخسر في الحرب في سوريا. وخسر أمينه العام التاريخي وخليفته السيد هاشم صفي الدين ومعظم كوادره وقياداته. وخسر عندما وافق على اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024 الذي ينصّ على نزع سلاحه. وخسر في عدم قدرته على منع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وفي عدم منع تشكيل الحكومة برئاسة نوّاف سلام. ظلّ يعتبر أنّه لم ينهزم، وظلّ يعتبر أنّه انتصر لأنّه لم ينتهِ. وظلّ يبحث عن انتصار حتى اعتبر أنه انتصر على الحكومة اللبنانية في احتفال حشد أتباعه في محيط صخرة الروشة في 25 أيلول، خارج الضاحية الجنوبية وفي قلب بيروت. في الواقع هو تمكّن من نقل صورة نصرالله ولكن استعادة الصورة لا تعوّض اغتيال صاحبها. إنه الفرق بين الواقع والافتراضي.

 

دخول الحرب ليس كالخروج منها

 

منذ أعلن نصرالله حرب المساندة في 8 تشرين الأول 2023 بقي أسير هذا الإعلان. لا قدرة على الانتقال إلى الحرب الكبرى ولا على الانسحاب من المعركة. في المحصّلة كان يتلقّى الضربات الإسرائيلية ويتأمّل في أنّ إسرائيل ستكون مضطرّة للخروج من هذه الحرب لأنّها، بحسب اعتقاده، لا يمكن أن تقاتل على أكثر من جبهة، ولأنّ جيشها سينهار في حرب طويلة الأمد، فكل حروبها كانت خاطفة وحقّقت فيها انتصارات خلال أيام ضد الجيوش العربية، وبطبيعة الحال هذه الحرب معه ومع حركة “حماس” مختلفة كلّيًا لأنّهما لا يقاتلان كجيشين بل كحركات “مقاومة”. في الواقع أثبتت التطورات أن استراتيجية نصرالله كانت خاطئة تمامًا بدليل أنّ إسرائيل لا تزال مستمرة في الحروب وفي تغيير وجه المنطقة.

في استعادة لخطابات نصرالله ولتحضيراته للحرب يمكن القول إنّه كان يخطّط للقيام بعملية عسكرية مشابهة لما فعلته “حماس” في 8 تشرين الأول. آخر مناورة عسكرية أجراها “الحزب” أمام الإعلام المحلي والعالمي في الريحان في 21 أيار 2023، كانت تحاكي عملية اختراق الجليل الفلسطيني واحتلال مستوطنات إسرائيلية. حتى اليوم لم يُكشف ما إذا كان يحضّر لعملية مشتركة مع “حماس” في التوقيت نفسه، في غزة وفي شمال فلسطين، ولم يُعرف أيضًا لماذا سبقه يحيى السنوار، قائد “حماس” في غزة، في العملية من دون أن يعلمه مسبقًا بالتوقيت. كما سائر الناس تفاجأ نصرالله بالخبر الذي وصله بالتواتر وبعدما كانت العملية قد بدأت. لذلك لم يكن في وارد الدخول في حرب مماثلة كبرى وتريّث كثيرًا لفهم ما أقدم عليه السنوار ولمعرفة ما ستفعله إسرائيل، وما إذا كان من مصلحته الدخول في حرب كبرى قد تؤدي إلى تدخّل أميركي وضرب البرنامج النووي في إيران.

 

لا خيمة فوق رأس “الحزب”

 

بدا تدخل “الحزب” في الحرب خجولًا بينما انتقلت المبادرة بسرعة إلى إسرائيل. أول ما قامت به كان تدمير الخيمتين اللتين كان “الحزب” نصبهما في مزارع شبعا واعتبر أن إسرائيل عاجزة عن إزالتهما وخائفة منه. ظهر منذ البداية أن “الحزب” خائف من هذه المواجهة ويخشاها. وأكثر من ذلك بدا وكأنّه مكشوف أمام المخابرات الإسرائيلية وعاجز عن تحقيق التوازن والردع معًا. لذلك مع عمليات القصف المحدودة بدأت إسرائيل عمليات الاغتيال وجزّ الرؤوس من تحت إلى فوق حتى وصلت إلى السيد حسن نصرالله من دون أن تتيح لـ “الحزب” فرصة التفلت من هذه المواجهة بحيث بدا كأنّه في مواجهة تشبه عملية صيد البط.

 

كانت اللائحة طويلة والأهداف مختارة بعناية:

 

• العملية النوعية الأولى التي نفذتها إسرائيل كانت في 2 كانون الثاني 2024 باغتيال القيادي في حركة حماس والمسؤول عن التنسيق والتواصل مع “الحزب”، صالح العاروري، في المشرفية في قلب الضاحية الجنوبية. هدّد “الحزب” بالرد الكبير ولكنّ المعادلة التي كان وضعها نصرالله حول قصف تل أبيب مقابل الضاحية كانت صارت صعبة المنال، ولم يطبّقها لأنّه لم يكن يريد أن يوسّع الحرب. كيف علمت إسرائيل بوجوده في منزله؟ وكيف نفّذت العملية وهو من المفترض أن يكون وجوده سرّيًا. مع اغتياله بدأ الحديث عن أنّ الحاسوب هو السبب وطلب “الحزب” فصل الحواسيب عن الإنترنت.

 

كاميرات وهواتف خليوية وجاسوسية

 

• وسام حسن طويل (الحاج جواد) أول قائد عسكري اغتالته إسرائيل في 8 كانون الثاني 2024 في سيارته قرب منزله في خربة سلم في منطقة صور. كان يتولّى قيادة محور صور في قوة الرضوان. لم يكتشف “الحزب” كيف تمكّنت إسرائيل من اغتياله وضاع بين أن تكون اغتالته بواسطة مسيّرة أو بواسطة عبوة ناسفة. ومع اغتياله بدأ الحديث عن اختراق إسرائيل للكاميرات المزروعة في المنازل والأحياء وطلب “الحزب” فصلها عن الإنترنت معتقدًا أنّ إسرائيل قادرة من خلالها على الحصول على كامل داتا المعلومات التي توفّرها. كانت تلك حالة من حالات الضياع وعدم فهم ما يحصل، إلى الحدّ الذي جعل السيد نصرالله يدعو إلى التخلص من الهواتف الخليوية لأنها بمثابة جواسيس.

 

• طالب سامي عبد الله (الحاج أبو طالب) قائد وحدة النصر المسؤولة عن القطاع الشرقي، وأشرف على العديد من العمليات العسكرية ضد إسرائيل وقيل إنّه كان مسؤولًا عن المسيّرات. اغتالته إسرائيل في 11 حزيران 2024 في غارة على منزل يجب أن يكون مقرّ قيادة سرّيًا في بلدة جويّا. كان ضمن قادة الصف الأول في “الحزب” وقُتل معه كل من: محمد حسين صبرا، علي سليم صوفان، حسين قاسم حميّد. أيضا لم يعرف “الحزب” كيف تمكّنت إسرائيل من تحديد مكانه.

 

• محمد نعمة ناصر (الحاج أبو نعمة) كان قائد وحدة عزيز في قوة الرضوان المسؤولة عن القطاع الغربي. شارك في توجيه العمليات العسكرية التي تستهدف إسرائيل من خلال الطائرات المسيّرة أو الصواريخ أو العمليات المركّبة. اغتيل في 3 تموز 2024 بعد استهداف سيارته بصاروخ أطلقته مسيّرة في صور.

 

لا حدود للاغتيالات

 

• فؤاد شكر (السيّد محسن) المسؤول العسكري المركزي في “الحزب”. اغتيل في 30 تموز 2024 في منزله في حارة حريك قرب مقرّ قيادة “الحزب” ونصرالله. من الرعيل الأول الذي انضمّ إليه عام 1982 وكان عضوًا في المجلس الجهادي، أعلى هيئة عسكرية وقريبًا جدًّا من الدائرة الضيقة التي تأخذ القرار إلى جانب نصرالله وكان المشرف الفعلي على مواجهة “الحزب” مع إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى. وقيل إنه كان المسؤول عن برنامج الصواريخ الدقيقة، وقد أدرجته الإدارة الأميركية، عام 2019 في قائمة المتهمين بالإرهاب. وعرضت عام 2017، 5 ملايين دولار للوصول إليه. ووصفه مايك بنس نائب الرئيس الأميركي آنذاك بأنه “أحد العقول المدبرة لتفجير ثكنات مشاة البحرية الأميركية” في بيروت عام 1983.

 

• إبراهيم عقيل، اغتالته إسرائيل في 20 أيلول 2024 بصاروخين أطلقتهما طائرة حربية على مقر غرفة العمليات الخاصة في منطقة الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت. قيل إنّه كان يعقد اجتماعًا لقيادات الرضوان لدرس عملية نوعية للردّ على تفجيرات أجهزة البيجر في 17 أيلول، ودرس إمكانية الدخول إلى الجليل بطلب من نصرالله. ولكن يظهر إن إسرائيل كانت تعلم بمكان الاجتماع وبتوقيته وبمن يحضره فقُتِلوا جميعهم وكانوا يشكّلون المستوى القيادي الأول في جميع الاختصاصات العسكرية. كانت تلك الضربة التي قصمت ظهر “الحزب” بعد ضربة البيجر. التحق عقيل بـ “الحزب” منذ تأسيسه، وهو متهم بتفجير السفارة الأميركية في بيروت في نيسان 1983 وثكنة المارينز في تشرين الأول من العام نفسه.

 

الدائرة الضيقة وصولًا للقائد

 

• ابراهيم قبيسي (الحاج أبو موسى) كان مسؤول وحدة بدر شمال نهر الليطاني، وقائد منظومة الصواريخ والقذائف. في 24 أيلول 2024، اغتالته إسرائيل بغارة جوية في الغبيري في الضاحية.

 

• محمد حسين سرور (الحاج أبو صالح) قائد تنفيذ المخططات الجوية بالمسيرات وصواريخ الكروز والطائرات من دون طيار التي استهدفت الجبهة الشمالية لإسرائيل. اغتالته إسرائيل في 26 أيلول 2024، في غارة على مبنى سكني في حي القائم في الضاحية الجنوبية.

 

الضربة الأكبر لـ “الحزب” وجهتها إسرائيل في 23 أيلول 2024 عندما نفّذت أكثر من 1500 غارة دمّرت خلالها معظم منصّات إطلاق الصواريخ والمخازن والمقرّات كان من نتيجتها أن خلت القرى الحدودية من سكانها. قيل يومها إنّ هذه الضربة كانت استباقية لضربة كان يحضّر لها “الحزب” للردّ على اغتيال قادة الرضوان. ولكن في النتيجة كانت هذه الضربة مع غيرها كافية لكي تصبح إسرائيل واثقة من عجز “حزب الله” عن الرد. كان هذا هو المفصل الذي جعل السيد حسن نصرالله يوافق على هدنة 21 يومًا، والذي جعل إسرائيل تتخذ قرار اغتياله. نفذ الأمر في 27 أيلول 2024.

 

 

يتبع الأربعاء 1 تشرين الأول 2024

اغتيال السيد حسن وعلامات الظهور (حلقة خامسة)

هل كان نصرالله وراء صفقة البيجر؟