Site icon IMLebanon

“4 آب” لم ينتهِ… حاسِبوهم في الصناديق

 

لم تُذَكِّرنا “جوليا عودة” و”ريتا حرديني” بانفجار 4 آب. نكأتا الجرح وأسلمتا الروح بفارق يوم. وفي “فِعلتهما”- بعد عشرين شهراً من العذاب – تبكيتُ ضمير وتأنيب صريح: كنا خارج العالم في كل الأحوال، ونهاية رحلة معاناتنا إعلان بطعم الدخان يسألكم ماذا فعلتم بين موتنا المؤجّل وموتنا الأبدي، وكيف بدّدتم الوقت متناسين نداء دماء من سبقونا ويستعدون لملاقاتنا؟

 

لا تأتي المصادفات المزعجة فرادى. تزامنَ خبرا الوفاة مع سؤال عن سبب اختفاء “زيَّان”، ومع اكتشاف متأخّر بأن الكبير الياس الديري يدفع ثمن “انفجار النيترات” فقداناً لنكهة الحياة ولقدرته الاستثنائية والمدهشة على ملاعبتها بلا حساب. وهي إصابة تمنعه من اتمام سابع رواياته “رحيل العاشق القديم” وتحرمنا متعة الإبحار معه في الواقع والتجربة والخيال.

 

لم ننسَ نحن ذاك اليوم الرهيب. ضحاياه 220 فقَدهم أهلهم وأبناؤهم وأحبتهم صغاراً وكباراً. أخبرتنا “جريمة العصر” ما كنا نعرفه وبكثافة درامية فظيعة بأنّ منظومة السلطة ليست مختصة بنهب الأموال وتأجير السيادة فحسب، بل بالقتل الجماعي بلا وازع أو رادع وبلا مراجعة ضمير.

 

كل رابع من شهر جديد تظهر صُوَر الذين اغتيلوا في بيوتهم وسياراتهم ومكاتبهم. ويجدّد الأهالي المكلومون التعهّد بأن الدماء لن تضيع. نراقب معهم بصمتٍ كيف تمكّن النافذون في السلطة من هضم هذا الكم من الدماء، وكيف استخدموا الأحابيل للالتفاف على التحقيق، تارةً بما يتاح من أساليب استخدام الحق القانوني ولو بشكل تعسفي، وطوراً بالتعطيل والتهديد المباشر بتحويل الحقيقة حرباً أهلية، وبإلحاق مأساة المرفأ بكل الجرائم التي قيدت ضد مجهول.

 

إفتُتِحت “الجمهورية الثانية” باغتيال رينه معوض. وتابعت سيرتها متأرجحةً بين هدنات وقتلٍ غير رحيم. هي المنظومة نفسها تأخذ أسماء وأشكالاً جديدة، وتلوّن مسارها بحواراتٍ أحياناً وبانتخاباتٍ أحياناً أخرى، متوسّلةً بالأدوات الديموقراطية للقضاء على الديموقراطية وخدمة مشروع تدمير الدولة واستتباع الارادة الوطنية. وليست جريمة المرفأ سواء بفعل إهمال أو تواطؤ أو افتعال إلا وصمة عار إضافية في جبين التابعين قبل المرتكبين.

 

نعلم أن المنظومة قوية وقادرة وتتمتع بثقل شعبي وتحالفات وولاءات على المستويين الداخلي والخارجي، لكن لا يمكن تغيير الحقيقة لا بالقوة ولا بالأكثرية ولا بالتزوير. الانتخابات محطة نادرة، فلتتوحد إرادة المتلهفين للإصلاح والخلاص من الفساد مع إرادة المنادين بالدولة السيدة الآمنة. “الجمهورية الثانية” برمتها يجب أن “تضع أوزارها”، ولتكُن أول الغيث أوراقٌ حرّة في الصناديق.