Site icon IMLebanon

التخلّف منهجية

 

 

عندما نتناول رؤية وممارسات محور المُمانعة، ونُحلّل معاني مواقف قيادييه والقرارات الصادرة عن قيادته المُلهمة، ونتعمّق بمنطلقاته السياسية، يتبيّن لنا أنّ منهجيته متجانسة تماماً مع مساره الايديولوجي الاستراتيجي، البعيد كل البعد عن المفاهيم التي نشأ على اساسها وطن الأرز. وممّا نعرفه عن قيادة هذا المحور، بأنّها لا تفتقر للقدرة وللإمكانيات للحيازة على المعرفة والتمعّن في الحقائق، ولا تنقصها الجهوزية لتُمكّن ذاتها بالخبرات لادارة شؤون الناس والدولة. هذه الحقيقة تُثبت بأنّ المنهجية التي يعتمدها، نابعة عن قناعات وخيارات، لا تؤمن بالانسان الحرّ، الذي يتفانى لخدمة وطنه ومجتمعه، بل تعمل لانشاء اجيالٍ تنمو على مبدأ خدمة الايديولوجيا المنغلقة وعلى الايمان بالوليّ أو بالزعيم، وبافتاءاته.

 

فليست المواطنية الحرّة هدفاً لمدارس المحور الفكرية والثقافية، بل الانسان المؤدلج الخادم للعقيدة. إنّها منهجية فئوية متطرّفة تستخدم الدين لتنال المكاسب في السياسة، ليُسهّل عليها تكفير معارضيها، آخذةً القدسية غطاءً لأعمالها الفاسدة والخاطئة والاجرامية. إذاً، التخلّف لدى محور المُمانعة ارادة وقناعة وليس غفلة، فالمحور مُدرك تماماً لرفض الشعوب لمفاهيمه ولقمعيته، فالانسانية تجنح دائماً للتطوّر والتمدّن وللانفتاح. وهذا ما يُضرّ باستراتيجيته التي تتباهى بتخلّف بلدانها، فترى السيد حسن نصرالله يُعلن النصر بمجرّد المقارنة بين خسائر اسرائيل في شمالها المليء بالمؤسسات الانمائية والسياحية والصناعية، والجنوب اللبناني الذي يفتقر لكل ذلك، متجاهلاً عن قصد، سبب هذا التخلّف، ونسمع الحوثي يتفاخر بأنّ تكاليف صواريخه التي يُطلقها على السفن، أدنى بكثير من ثمن الصواريخ التي تُطلق من التحالف الدولي، لحماية السفن من التدمير، متجاهلاً أيضاً سبب فقر شعب اليمن، الذي عانى لعقود من حروبه المدفوعة من ميزانيات الشعب الايراني. إنّه منطق التخلّف، عن قناعة وعن سابق تصوّر وتصميم، وعن تخطيط، فالتطوّر بالنسبة لقيادات هذا المحور، تعني تطوراً في مدى القدرة على التدمير والازعاج والتخريب.

 

تمرّ الظروف الصعبة على جميع الدول والمجتمعات، وتتراجع أوضاعها الاجتماعية، وتدخل ربما في حقباتٍ مظلمة، ولأسبابٍ مختلفة، ولكن معظمها يخرج منها، من خلال برامج تطويرية وتثقيفية وانمائية واستثمارية وانفتاحية، فمنها من ينجح ويعلو إلى مراتب عليا، ويقود العالم، ومنها من تكون نجاحاته نسبياً منخفضة، فتعاني شعوبه من المشاكل المطلبية، ولكن هناك من لا يخرج من تلك الظروف القاتمة، ويدخل في دوامة من التوترات والتقهقر والتخلّف، وهذا ما يتّصف به محور المُمانعة حالياً. فتحت شعار «محور المقاومة»، أدخل منهجية التخلّف على بيئاته، ويأمل نشرها على بيئاتٍ اخرى، ليحمي انظمته ومنظّماته، متخفّياً خلف شعار جميل: «المقاومة»، ولكنه لا يوضح أنه مقاومةً لاجل منهجيته وليس وطنه، فيعتمد تعميم الاوهام لا الصدق، والفرض لا التخيير، والتآمر لا التشارك، والتخوين لا الاستماع، والازالة لا المعالجة. منهجية تُدرك ضعفها امام شعوبها، وفشلها امام المخدوعين بها، وتلمس رفض الناس لها، فتفرض ايديولوجيتها بالقوة.

 

نشأ لبنان، كما قال ميشال شيحا، على التوازن والاتّزان، واعتبر أنّ اصلح جماعةً لحكم لبنان هم الذين يقوون على حفظ السلام فيه، وأنّ لبنان ذو تركيبة مليئة بالتباينات والمتناقضات، وأنّ من يريد الحفاظ عليه كوطن بصيغته التشاركية، فما عليه الا الحفاظ على الحرّيات فيه ليكون ملجأً ضدّ الفئويات السلطوية الظالمة، وليبقى دائماً الدولة الحرّة السيّدة على نفسها والمتنوّعة والمتعدِّدة اللغات والثقافات والمتآلفة بين فئاتها، ولكن ليست المنصهرة بين فئاتها. إنّها مواصفات رآها ميشال شيحا في اللبنانيين والتي تميّز وطن الأرز، وقد حقّقت هذه المواصفات وطناً ودولة ومجتمعاً ناجحاً، واستقراراً، طالما احترم شعبه المواصفات، حتى جاء محور المُمانعة الايديولوجي، المنغلق على ذاته، والمناقض لكل تلك المواصفات، فأدخل الاغتيال الجسدي بدل التنافس السياسي، وتعطيل الدستور بدل الخصومة السياسية، والغزوات بدل التحالفات، وضرب عن سابق تصوّر وتصميم، الصيغة والدستور، ونقل لبنان من المسار الطبيعي إلى المسار التخلّفي، وكل ذلك عن قناعة.

 

لبنان لم يكن يوماً خطأً تاريخياً أو جغرافياً، فهذا البلد قد شهد في زمن احترام مواصفاته، نهضة وازدهاراً، ولكن المشاريع التوسّعية التي نشأت في منطقة الشرق الاوسط، أدخلت عليه المصائب والمآسي والويلات والصراعات، والتخلّف، قناعةً ومنهجية. قال هنري كيسنجر: «القائد الكبير هو الذي يُجنّب امته الكوارث قبل أن يُحقّق لها الانتصارات»، فكيف إذا إن جلب هذا المُدّعي بأنّه قائد على أمّته الدمار والحروب والفشل والفساد، كما فعل محور المُمانعة من خلال عقيدته ومنهجيته، للبنان وللدول التي حلّ عليها؟

 

يملك هذا المحور رؤية ايديولوجية وسياسية، ولديه منهجية غريبة عن نشأة وطننا لبنان، فهل مشروعه نقل لبنان من مكانه الاصلي إلى مكان أفضل؟ أو إلى التخلّف؟

 

(*) نائب في كتلة «الجمهورية القوية»