في ظل غياب الأمن والتردي الإقتصادي، وعملية الكر والفر في الجانب العسكري، ودخول العملية السياسية في نفق التخبط، يأتي الفيضان الى حد غرق أغلب مناطق وأحياء بغداد، الراقية والفقيرة على حد سواء، وكأن بغداد ينقصها الفيضان والغرق، كي تتضاعف معاناة البغداديين الذين فوجئوا بطوفان الأمطار يدهمهم في عقر ديارهم، بينما الحكومة بعد فوات الأوان، تعلن حالة الطوارئ في المناطق التي اجتاحها الطوفان.
وجاء فيضان بغداد هذه المرة، بعدما هطلت الأمطار الغزيرة في الأيام الأخيرة، علماً أن هذا الفيضان هو الثالث الذي يجتاح بغداد خلال عامين، من دون أن يجد المسؤولون في (أمانة بغداد) حلاً لهذه المشكلة المستعصية، الأمر الذي جعل السكان في مناطق متفرقة من العاصمة بغداد، يتظاهرون في الأيام الأخيرة، مطالبين بسحب مياه الامطار من مناطقهم.
ومن جراء هذا الفيضان قرر مجلس محافظة بغداد وبالاجماع، إقالة (أمين بغداد) ذكرى العبايجي ووكلاء الامانة ومدير دائرة المجاري من مناصبهم.
وهذا الإجراء (الإقالة) يحتاج الى موافقة رئيس الوزراء، لأن منصب (أمين بغداد) هو بالحقيقة منصب وزاري أو هو بدرجة وزير، أي انه أكبر من المحافظ وأعضاء مجلس المحافظة، وأن أمر التعيين والإقالة، يعد حصراً على رئيس الوزراء العراقي.
المهم أن الأمناء السابقين (صابر العيساوي وعبدالستار المرشدي ونعيم عبعوب)، تمت إقالتهم بعدما عجزوا عن حماية بغداد من الغرق أكثر من مرة، قبل أن تتم إحالة الاثنين الأخيرين للقضاء بتهم الفساد، وسواء تمت إقالة (أمين بغداد) ذكرى العبايجي بشكل جدي أم لا، فإن الحقيقة الماثلة، هي ان بغداد غرقت وتغرق للمرة الثالثة، وأن المؤسسة المعنية (أمانة العاصمة بغداد)، عجزت كل هذه السنوات التي أعقبت إحتلال العراق وحتى هذا الوقت، عن إيجاد السبل الكفيلة لمنع حدوث الفيضان أو الطوفان أو الغرق خلال وبعد سقوط الأمطار !.
والواضح والأكيد أن المؤسسة التي تعاقب على إدارتها أكثر من (أمين) في فترة زمنية قصيرة نسبياً، تعاني من خلل ولا أقول فساد فاضح، بدليل عدم قدرتها على تلافي العوامل والأسباب التي تؤدي الى غرق بغداد عندما تهطل الأمطار، على الرغم من أن (أمانة بغداد)، تملك طاقات فنية كبيرة، ولديها معين مالي ذاتي، بالإضافة الى الأموال المخصصة لها من ميزانية العراق العامة وليس من ميزانية محافظة بغداد، لكونها تدير الشؤون الخدمية والبلدية للعاصمة، بل أن ميزانيتها المالية تفوق ميزانية العديد من الوزارات العراقية، ومع كل هذا، أكدت (أمانة بغداد) أكثر من مرة، إخفاقها وعجزها في تلافي حالات الفيضان والغرق من جراء الأمطار في السنوات الأخيرة.
إن ما آلت إليه أكبر مؤسسة عراقية للخدمات البلدية في العراق، يعود أصلاً الى كونها واحدة من أكبر المؤسسات الموبوءة بالفساد، والدليل الساخن في هذا الجانب، هو ما كشفه عضو مجلس محافظة بغداد، غالب الزاملي، إذ قال : إن رئيس قسم للمجاري ببلدية منطقة الشعب بأمانة بغداد اخذ إجازة لمدة 15 يوماً قبل هطول الأمطار الأخيرة بنحو خمسة أيام.
مبيناً، إن هذا المسؤول تسلم سلفة بمبلغ 100 مليون دينار من اجل تنظيف المجاري قبل أخذه الإجازة، وذهب بالمال إلى الخارج من دون تنظيف المجاري.
وأضاف الزاملي، أن أمانة بغداد يتواجد فيها عدد من الشخصيات أشبه بالمافيات، داعياً إلى مراقبة هؤلاء بشكل مستمر تجنباً لهدر المال العام.
أن غرق مناطق بغداد الراقية والفقيرة (الشعبية) أكثر من مرة وفي آن واحد، دلالة بيّنة على حال القصور والنكوص، الذي يسود ويستشري في أهم مفاصل ومؤسسات الدولة، وعندما نتحدث عن (الدولة) في العراق، فإننا نتحدث في هذه التسمية، عن دولة مُفترضة لا أكثر !.
بدليل ان حال الأمن في بغداد يدعو للرثاء والأسى، ونحن هنا نتحدث عن إنعدام وليس عن غياب، وعلى عكس ما يقول رئيس الحكومة حيدر العبادي، من أن بغداد مؤمنة عسكرياً 100%، حيث ان الأمن المدني والأمن العسكري في بغداد تحديداً في حالة يرثى لها: صواريخ الكاتيوشا تنهال على مناطق قريبة من مطار بغداد بين يوم وآخر، وحزب الله العراقي (فرع البطاط) يعلن مسؤوليته عن الهجمات الصاروخية التي طالت معسكر لاجئي (مجاهدي خلق) الإيرانيين، من دون أن تضع القوات الأمنية العراقية حداً لهذه الإعتداءات المتكررة.
بينما حوادث سلب أصحاب مكاتب الصيرفة، باتت من الظواهر المألوفة في بغداد، كونها تقع بين يوم وآخر، وفي وضح النهار بل وفي الطرقات العامة، حيث إن الأيام الأخيرة شهدت ثلاثة حوادث من هذا القبيل، وأحد هذه الحوادث كان عملية سلب أكثر من مليار دينار عراقي، ولا ننسى ظاهرة الجثث المجهولة الهوية التي تُرمى في أماكن متعددة من بغداد.
كما أن الصحافيين العراقيين في السنوات الأخيرة، نالوا حصة كبيرة من جرائم القتل التي استهدفتهم، فالعراق ما يزال يتصدر مشهد مؤشرات قائمة الإفلات من العقاب التي تصدرها لجنة حماية الصحافيين، اذ بلغت نسبة الإفلات 100%، لا سيما وأن السلطات العراقية لم تبد، على مدار العقد الماضي، الاهتمام المناسب لملاحقة المتهمين بجرائم القتل المتعمد للمراسلين والكتاب والنشطاء الصحافيين، التي لم يكشف عن مرتكبيها الى الآن، على الرغم من فتح العديد من التحقيقات ووجود أدلة دامغة لإدانة جهات بعينها، لكن من دون اتخاذ اي إجراءات تذكر، اذ قُيدت اغلب جرائم القتل المباشر للصحافيين ضد مجهول!.
وعلى هذا المنحى، كشف رئيس لجنة الامن والدفاع النيابية حاكم الزاملي، في الفترة الأخيرة، عن ضبط طائرتين محملتين بأسلحة كاتمة للصوت في مطار بغداد الدولي، وفيما بيّن ان احداهما كندية والاخرى سويدية، واشار الى انهما كانتا متوجهتين الى المنطقة الكردية في شمال العراق.
وعلى الصعيد السياسي، قال مصدر نيابي مطلع ان مجموعة من النواب العراقيين يسعون في الفترة الأخيرة، الى اصدار تشريع يمنع قيام الاكراد بشراء عقارات في بغداد والمدن خارج المنطقة الكردية، رداً على قرار مجلس محافظة السليمانية بمنع العرب والتركمان من تملك المساكن في السليمانية، وشكك المصدر في امكانية نجاح نواب (كتلتي الاحرار ودولة القانون) في اصدار هذا التشريع المتعارض مع نص الدستور العراقي وروحه، حيث يكفل حرية العراقي وتملكه داخل العراق من دون قيد أو شرط، وقال المصدر ان خرق السليمانية للدستور لا يبرر ان نقوم بخرقه في بغداد.
وكان مصدر سياسي قال، إن مجلس السليمانية اتخذ قراراً في جلسته الاعتيادية أواخر شهر أيلول الماضي، ينص على منع معاملات البيع والشراء وتحويل الملكية إلى غير الأكراد، وان القرار موجه للجميع من غير الأكراد.
