Site icon IMLebanon

مهلة باراك

 

أصعب ما في الوضع اللبناني، أنه يعيش خوفا مزدوجا: الخوف اليومي القاتل، والخوف غدا، من التصعيد، ومن سوء المصير. وأما الأمل بدولة حرّة مستقلة ذات سيادة، فقد صار من الأحلام، فقد صار من الذاكرة.

كل يوم يسمع اللبنانيون بالتهديدات من كل الجهات. لم تعد هناك دولة في العالم، إلّا وتحادث المسؤولين، بأنها لا تستطيع أن تستمر بعد، في تفهّم الوضع اللبناني، ولا تستطيع تفهّم العصيان على الدولة اللبنانية، ولا كذلك الاستمرار في التغاضي، عن فشل الدولة اللبنانية، وعن الفساد المستشري فيها، وعن السلاح الذي يغطي الفساد، وكأن لا شيء قد تغيّر في لبنان.

جميع دول العالم انتظرت البرهة الأخيرة، في تصعيد السلطات اللبنانية بالإجماع الوطني، ولكن خاب أملهم بعد أكثر من نصف عام، لأن القديم في لبنان ظل على قدمه، وأن إنتاج السلطة اللبنانية التي حصدت الإجماع الوطني، لم يركن له السلاح ولا حملة السلاح، بل استمرت الأمور إلى تصعيد، حتى ربط السلاح بالواجب الديني، فصار الفكاك بينهما من الصعوبة بمكان. وبات جميع ما جرى في لبنان من تغيير، ليس سوى من المهرجانات، إن لم نقل أنها تحوّلت إلى نوع من الخطابات و المسليات.

آخر المبادرات، كان إيفاد السفير توماس باراك إلى لبنان. ظل يروح ويجيء ويحمل معه الأوراق. فيلتقي المسؤولين اللبنانيين الذين كانوا يحسنون رد التحية بأحسن منها: يحمّلونه الردود على الأوراق.

وقف المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي، الزحلاوي الأصل توماس باراك مرارا على المنصات الإعلامية، مرة يتفهّم الأوضاع في لبنان، ومرة يلمّح إلى ضربة تغيير المواقف، لمجاراة التغييرات في المنطقة، ومرة يقول بالفم الملآن: إن لبنان في عين العاصفة، ومن الضروري، أن يلاقي اللبنانيون الإرادات الدولية، لإحداث خرق ما، في مسألة حصرية السلاح، وكذلك في مسألة الإصلاح.

وجد سعادة السفير توم باراك، أن الأوضاع في لبنان مستمرة على حالها، قبل الانتخابات وبعد الانتخابات. وأن الجوقة الداعمة للسلاح، المتفلت، ولسلاح حزب الله، عادت بصورة أقوى هذه المرة، ولم تعد تنفع معها المواعظ ولا الإتعاظ ولا العظات. كان على السفير الأميركي باراك أن يتخذ موقفا نفسه بنفسه، من المسألة اللبنانية بعنوانيها: الإصلاح وحصرية السلاح، وأن لا يكرر الخطابات نفسها، وأن يحسم الجدل الدبلوماسي الذي سرعان ما صار وقته يضيق، وأن يقول بالمهلة الزمنية، وبالأجندات، وبالتواريخ، وأن يكون كل ذلك لأجل مسمّى. ثم أدار ظهره وغادرنا، وأنهى سفارته إلينا. فقبلها الرئيس الأميركي، وعيّن محله موفدته السفيرة مورغان أورتاغوس، التي سبق وخبرت لبنان، بكل شؤونه وشجونه، التي بات يعرفها القاصي والداني، وصارت على كل شفة ولسان.

مهلة باراك انتهت إذن، ولا تزال الأمور عالقة عند عقدة حصرية السلاح. وغدا جلسة المجلس النيابي، ولا شيء يبشّر بالعودة إلى الإجماع الوطني تأييدا وتحقيقا لخطاب القسم والبيان الوزاري في مسألة حصرية السلاح. فهل علينا العودة مجددا لطرح الميثاقية في هذه المسألة العصيّة عن الحل؟ أم أن القرار اللبناني، سوف يذهب إلى التنفيذ، بإجماع، أو بالأكثرية؟

مهلة باراك إنتهت، وأما لبنان، فقد صار أمام إمتحان جديد: إمتحان الجديّة في تنفيذ القرار الذي إتخذ على أعلى المستويات، تسانده القوى الدولية، وتبعث بإشارات شديدة السلبية، إلى حد الخطورة، بتهديد الكيان، بالخروج هذه المرة عن الميثاقية.

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية