Site icon IMLebanon

ما يطلبه اللبنانيون

 

 

لثلاث مرات على التوالي، والثالثة غير ثابتة، يأتي مبعوث الرئيس الأميركي الشخصي إلى لبنان، السفير توماس برّاك، ليقف على خاطر اللبنانيين قبل توجيه الضربات إليهم. يريد أن يحذّرهم من «الأعظم»، لأن ما مرَّ عليهم ليس سوى الخطوات الأولى، لما سيأتي عليهم لاحقا.

قال السيد برّاك: إن المنطقة يُعاد رسمها من جديد. وإن من يتخلّف عن الحضور، سوف لن يحسب له حساب. قال إنه لم يأتِ مفاوضا، وإنما أتى للاستطلاع والتشاور وإبداء الرأي. وقال إنه لا يحمل عصا سخينة، وإنما يحذّر منها. وقال إنه لا يملي على أحد دروسا، ولا يوجه أحدا، ولا يمنع أو يردع أحدا، بل دوره مثل الأخ الأكبر، يساعد في «درس القراءة».

 

منح توم برّاك اللبنانيين فرصة أسبوع، يستمهلهم في الإجتماع والإجماع، وينتظر منهم جوابا نهائيا، يحمله معه إلى البيت الأبيض.

يصل برّاك النهار بالليل، وهو يقف على خاطر اللبنانيين، يسترضيهم ويؤملهم ويحذّرهم من ركوب رؤوسهم، لأن المخاطر تحدّق بوطنهم، وإن الخرائط استحضرت من جديد، فإذا ما غاب عنها لبنان، هيهات هيّأت أن يعود إليها.

توم برّاك يتحدث إلى المسؤولين اللبنانيين، بالوكالة عن البيت الأبيض، وبالأصالة عن نفسه، شق منه أميركي، وشق منه لبناني. ولذلك تراه إذا ما خرج فارغ اليدين، سرعان ما يعود، من فرط الخشية على «لبنان الكبير»، أن يعود إلى سن الصغر.

إعتاد برّاك على الزجل اللبناني، واستعادت ذاكرته السهر على البردوني، وكيف كانت جنباته تحف وتحتف، بالآتين من بيروت، وبالآتين من دمشق. يستعيد حلما جديدا. فهل تكون زحلة بديلا عن أذربيجان للقاءات المزدوجة؟! وهذا ربما ما يخشاه يوما على نفسه، إبن زحلة…

أفكار بسيطة، وكلام بسيط، ولغة بسيطة، يحلم برّاك كثيرا، يطوي قرنا مضى، ويستحضر قرنا جديدا، ثم يستيقظ فجأة على حلم لبناني مزعج، إسمه المارينز. تؤرقه هذه الواقعة، فيبتسم وهو يسمع صوت الشيخ نعيم: ردّ جميل على الردّ الجميل…

يبدو توم برّاك، كل يوم، أهدأ من اليوم السابق في لبنان. جاء في جولة إسبوعية لجوجلة الأفكار. تراه وهو يجول على «الثلاثية اللبنانية»، يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، وكأنه في مراجعة يومية. ماذا سيقول غدا، لسيده في البيت الأبيض، أيقول له إن إيران أقوى؟

توم برّاك، سوف يظل يروح ويجيء ألف مرة، لأنه ليس مفاوضا، كما عرّف عن نفسه. وأما اللبنانيون، فقد شبعوا تشاورا ومشاورة..

اللقاء التشاوري قديم العهد في لبنان، وآخر نسخة عنه بيد الأستاذ عبد الهادي محفوظ، رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع. عدنا إذا من حيث بدأنا: اشتغل الأستاذ عبد الهادي محفوظ، على تأسيس «اللقاء التشاوري للمحافظات». وهو ابن بلدة الهرمل، القريبة من «جارة الوادي»، وله باع طولى في هذا الشأن، وفي «الصبر على مجامر الكرام» أيضا. ولهذا ننصح بالاتصال به، والوقوف على تجربته في «اللقاء التشاوري»، وقد قطع بها زهاء العشر سنوات ونيّف، في التشاور مع بعبدا، ومع عين التينة ومع السراي العثماني.

ما يطلبه اللبنانيون، إنما هو غير ذلك تماما. فنحن لا نريد أن نعلم أحدا من أين تؤكل الكتف. والسيد توماس برّاك، بالوكالة وبالأصالة، هو أدرى بالشأن اللبناني، وهو أرأف باللبنانيين وأعطف عليهم من جميع من يتصل بهم، ولهذا نقول له: سرنا معك، وأنت أعلم بالأسرار التي تتحكّم فينا. ولا تنسى الخبز والملح والثدي المقطوع عن الصدر… فما يطلبه اللبنانيون، أنت أدرى به، مهما أضاع السادة الوقت، وضيّقوه عليك.

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية