Site icon IMLebanon

هل يعود برّاك بخطوة إسرائيلية مقابلة؟

 

 

بدأ المبعوث الأميركي توم برّاك زيارته لإسرائيل للبحث عن خطوة إسرائيلية مقابلة للخطوة اللبنانية، انطلاقاً من تصريحاته بعد لقائه الرؤساء اللبنانيين الثلاثة، بأنّ «على إسرائيل تقديم خطوة مقابلة»، فهل ينجح في ذلك؟

 

وفق معلومات «الجمهورية»، فإنّ برّاك موجود في إسرائيل لإجراء محادثات مع الحكومة الإسرائيلية في شأن الورقة الأميركية، فيما المبعوثة الأميركية السابقة مورغان أورتاغوس التي كانت برفقته في بيروت قد غادرت إلى باريس أو إلى دولة خليجية قد تكون السعودية.

 

في المنطق من مصلحة برّاك العودة إلى لبنان أواخر الشهر الجاري وفق المعلومات بخطوة إيجابية ما، بعد قرار الحكومة اللبنانية بحصرية السلاح بيد الدولة وإقرار الورقة الأميركية، خصوصاً بعد إعلان رئيس الجمهورية جوزاف عون في مقابلته الأخيرة، أنّ تنفيذ لبنان للورقة الأميركية يشترط موافقة إسرائيل وسوريا، وبعد إقرار برّاك نفسه الحصول على خطوة إسرائيلية مقابلة للخطوة اللبنانية.

 

ومن مصلحة الأميركيين أيضاً إظهار نجاعة الخيار الديبلوماسي وجدواه للدولة مقابل ضعف خيار المقاومة، وبالتالي فإنّ عودته خالي الوفاض سيكون كافياً لنسف الورقة الأميركية ومنح «حزب الله» مبرر الإصرار على موقفه الرافض لها، والأهم أنّها ستكشف خطيئة تسرّع الحكومة في إقرار الورقة قبل الحصول على أي مكسبٍ ملموس ولا حتى ضمانات من إسرائيل، وبالتالي ستقع الحكومة بإحراج شديد أمام الحزب وجمهور المقاومة والرأي العام اللبناني، وتفقد زخم تطبيق قراراتها طالما أنّ إسرائيل لم توافق على الورقة ولا قدرة للحكومة على فرض تطبيق قراراتها في ظل الإنقسام الداخلي السائد.

 

لكن الديبلوماسي الأميركي لم يُحدّد طبيعة الخطوة الإسرائيلية وحدودها وتوقيتها ولا تقديم ضمان بالحصول عليها بقوله: «الورقة الأميركية غير مطروحة أصلاً على إسرائيل». لكن الجواب أتاه فوراً من «تل أبيب» على لسان مصدر سياسي إسرائيلي لقناة «العربية»: «لا نية لإسرائيل الإحتفاظ بالأراضي اللبنانية، بل ستقوم بدورها عندما يتخذ لبنان خطوات فعلية، والإنسحاب من النقاط الخمس سيتمّ بموجب آلية منسّقة مع لجنة اتفاق وقف إطلاق النار».

 

مضمون هذا التصريح هو أنّ إسرائيل لا تعتبر إقرار الحكومة اللبنانية للورقة الأميركية كافياً للقيام بخطوة مقابلة بالإنسحاب من النقاط الخمس ووقف الخروقات، وبالتالي تريد من لبنان المزيد عبر تنفيذ قرارات مجلس الوزراء.

 

لكن تُستَحضر جملة تساؤلات: هل يريد الإسرائيلي الإنسحاب أصلاً من النقاط الخمس؟ وهل يرتبط الوجود الإسرائيلي العسكري في الجنوب بنزع سلاح «حزب الله» والأمن الإسرائيلي؟ علماً أن لا قيمة عسكرية لهذا الوجود في ظل تكنولوجيا المسيّرات والأقمار الصناعية؟ أم هو ورقة مقايضة لفرض شروط السلام والتطبيع على لبنان في وقت لاحق؟ وماذا عن تصريح وزير المال الإسرائيلي بأنّ إسرائيل لن تنسحب من التلال الخمس، وستقيم منطقة عازلة في الجنوب لا إعمار فيها ولا عودة للنازحين؟ وهل ينسجم الإنسحاب مع كلام بنيامين نتنياهو عن مشروع الشرق الأوسط الجديد وخططه في سوريا، معطوفاً على تصريحه الأخير بأنّ دولة إسرائيل تضمّ لبنان وسوريا والأردن وقسماً من العراق ومصر وربما السعودية؟ وبناءً على ما تقدّم، هل ربط الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب بنزع السلاح ينطوي على خدعة أميركية ـ إسرائيلية لنزع السلاح أولاً للتمهيد لاجتياح بري إسرائيلي للبنان، لتنفيذ المشروع الإسرائيلي التوسعي في المنطقة وحلم نتنياهو بقيام دولة إسرائيل الكبرى وفق الذي «كلّفه الله» به؟. إذ بات من الواضح أنّ الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، غير مرتبط بسلاح الحزب، ولا بأمن منطقة الشمال ولا باستعادة المستوطنين فقط، لأنّه في إمكان الحكومة الإسرائيلية تقديم اغتيال السيد حسن نصرالله وقيادات الحزب الرئيسية وجزء كبير من قدراته العسكرية والصاروخية وإخراجه من جنوب الليطاني، كإنجازات تضمن أمنهم لعشرات السنين، وهي تدرك أنّ الحزب وفق الجيوبوليتيك الجديد في المنطقة، غير قادر على شنّ حرب واسعة عليها، ما يعني أنّ احتفاظ الجيش الإسرائيلي بالتلال والمواقع يرتبط بأهداف استراتيجية تتعلق بالمشروع الإسرائيلي في سوريا والمنطقة، وبالأطماع الإسرائيلية في الثروة المائية في أنهار الوزاني والحاصباني والليطاني وحوض اليرموك، وبالمنطقة السياحية الواعدة في مرتفعات جبل الشيخ، وأيضاً بالأطماع الأميركية ـ الإسرائيلية بالثروة النفطية والغازية الهائلة في ساحل البحر المتوسط في لبنان وسوريا وغزة وصولاً الى مصر.

 

وتشير مصادر مطلعة على الحراك الديبلوماسي الأميركي، إلى أنّ الولايات المتحدة تستطيع إن أرادت الضغط على إسرائيل لانتزاع خطوات إيجابية، وأنّ أورتاغوس يمكنها أن تتولّى إقناع إسرائيل بذلك. لكن المشكلة الأساسية لدى الأميركيين والإسرائيليين، هي أنّهم غير مقتنعين بأنّ «حزب الله» سيسلّم سلاحه حتى لو التزمت إسرائيل بالإنسحاب الكامل ووقف الخروقات، لذلك لا يريد الأميركيون التخلّي عن أسلوب القوة لفرض الشروط، وبالتالي المضي في الضغط العسكري الإسرائيلي والتهديد بتوسيع الحرب لتفعيل الضغط السياسي والديبلوماسي على لبنان و«الحزب» لفرض السلام على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية وفق تعبيرهم.

 

ووفق المصادر، فإنّ هذه الإشكالية حضرت في لقاءات برّاك مع المسؤولين اللبنانيين، وكان جواب رئيسي الجمهورية والحكومة «أعطونا خطوات مقابلة من إسرائيل لنعزز موقفنا أمام حزب الله». وتشير المصادر إلى أنّ المشهد سيتضح خلال أسبوع مع عودة برّاك والوفد المرافق إلى لبنان، وسيظهر ما إذا كانت إسرائيل ستتجاوب مع الحراك الديبلوماسي أم لا، والمرجح ألّا تتجاوب لأنّها باتت أكثر اقتناعاً بالحل العسكري الذي ما زال مطروحاً على الطاولة.

 

وتلفت المصادر إلى أنّ «اجتماعات الاثنين الفائت كانت لتهنئة الحكومة ودعم قراراتها الأخيرة بحصرية السلاح، لكنها خلت من الوعود والضمانات بانتزاع خطوة إسرائيلية مقابلة تلاقي الخطوة اللبنانية المتقدّمة». وتؤكّد المصادر أنّ خطة حصرية السلاح لن تتوقف بمعزل عن طريقة تطبيقها، وتتحدث عن مفاجآت خلال الأسبوعين المقبلين.

 

الخلاصة، انّ هناك إشكاليات عدة تحول دون الحل، رفض إسرائيل الإنسحاب من الجنوب قبل نزع سلاح «حزب الله»، والأخير يرفض تسليم سلاحه قبل الإنسحاب إلى الحدود الدولية ووقف الخروقات وإطلاق الأسرى وإعادة الإعمار، ثم البحث في مصير السلاح ضمن رؤية استراتيجية للأمن الوطني، تتضمن تسليح الجيش، فيما الأميركيون والإسرائيليون يعتبرون السلاح هو العقبة الكأداء أمام تحقيق المشاريع الكبرى في المنطقة، ويريدون اقتلاعها من دون تقديم تنازلات أو انهيار لبنان أمنياً واقتصادياً كلياً.