Site icon IMLebanon

باسيل يُجيّر فائض قوة العهد لطموحه الرئاسي… لكن الأثمان باهظة!

 

زيارة طرابلس «مأزق» لكنها ضرورة لـ«التيار الوطني» للحد من خسائر الانتكاسة السياسية بعد حادثة قبرشمون

 

جنبلاط ينجح في إحباط الانقلاب على الزعامة التاريخية في الجبل

لا يزال من المبكر إجراء الحسبة في «منازلة» قبرشمون. يحتاج تحديد ميزان الربح والخسارة إلى انتهاء موسم الحصاد، وهو لم ينتهِ بعد، ولا حتى شارف على الانتهاء. في قياس اللحظة وعملية التطويق السياسي لـ «سيّد» قصر المختارة، والتي بدأت منذ حين، يمكن القول إن وليد جنبلاط نجح في إحباط الانقلاب على الزعامة التاريخية التي يُمثلها في الجبل، وعلى ما تُشكّله بوابة المختارة من ثقل سياسي، ليس في المعادلة الدرزية فحسب بل في المعادلة الوطنية.

 

لم يتهرّب جنبلاط من التغطية السياسية لبيئته التي خرجت الأحد الماضي رفضاً لزيارة رئيس التيار الوطني جبران باسيل إلى كفرمتى، وهي البيئة التي تشعر بكثير من الاستفزاز المتمادي لها، والذي يطبع عادة حملات الانتخابات النيابية وما تستدعيه من تعبئة وتأجيج المشاعر واستثارة الغرائز واللعب على الوتر الطائفي لكسب الصوت، بل استمرت وتيرته. وأتى قدّاس دير القمر تحت عنوان توبة ومغفرة، الذي أراد باسيل إحياءه في يوم السادس عشر من آذار، ذكرى اغتيال كمال جنبلاط وما لحق بالمسيحيين في بعض قرى الشوف من مجازر انتقامية، وجرى تأجيله أسبوعاً لنزع فتيل التوتر والفتنة، ليرفع من منسوب الاحتقان، مع كلام باسيل عن التوبة والمغفرة وما يحمله من معان بأن ثمّة من يطلب التوبة وثمّة من يمنحها، كأن المصالحة التاريخية في الجبل التي رعاها البطريرك مار نصر الله بطرس صفير لا أثر لها في سجل الأحداث السياسية.

 

ويذهب العقل السياسي لباسيل، في واقع الأمر إلى هنا. فمعه يبدأ كل شيء. قبله لا معنى للمصالحة ما دام لم يكن جزءاً منها، ولا تبدأ بالمعنى الحقيقي والفعلي إلا حين يتم الاعتراف بأن ما سبق ليس إلا خطوات في مسار عودة المسيحيين إلى ديارهم، وهي خطوات لا تزال تنتظر أن تتكرّس وتصبح واقعاً حقيقياً على يده.

 

مَن يعرف الرجل يُدرك أن كل ما يقوم به ينطلق من حلم يراوده بأن يكون «بشير الجميل في الوجدان المسيحي»، لا بل أن يتخطى بشير في ذلك. هو بكل بساطة يستعيد المفردات التي طبعت مرحلة الحرب الأهلية التي شعر فيها المسيحيون في لبنان بأنهم في خطر. فكما خاض بشير معركة الدفاع عن المسيحيين وحماية أمن المجتمع المسيحي، فإن باسيل يقود معركة استعادة حقوق المسيحيين التي سُلبت منهم في «اتفاق الطائف» من صلاحيات رئاسية ومن إضعاف لرئاسة الجمهورية الموقع المسيحي الأوّل، وهو القادر من خلال الانضمام إلى تحالف الأقليات في المنطقة برعاية روسية أن يحمي هذا الوجود، بل أن يعززه ويُعيد الاعتبار إلى ما كان يُشكّله في الماضي.

 

هو مشروع طموح لدى رئيس تيار سياسي يتكىء على العهد. باسيل يُجسّد العهد والعهد يُجسّده. التمايز الوحيد هو في أن موقع رئيس الجمهورية يتطلب مقاربة مختلفة وأداء أكثر مداراة بوصفه رئيس البلاد والحَكم بين الأطراف السياسية، فيما باسيل مُتفلّت من القيود والضوابط ويُجيّر فائض القوة الذي يستمده من العهد ومن حلفاء العهد في خدمة تعبيد الطريق أمام طموحه الرئاسي خلفاً لعمّه.

 

لا وهم عند أحد من المتابعين أن باسيل لم ينجح في اكتساب قدر كبير من الشعبوية في الشارع المسيحي. وهذا ما يجعل القوى السياسية الأخرى في موقع المُربك، ولا سيما حين تصل المسألة إلى «القوات اللبنانية» التي تحرص بشكل كبير على الحفاظ على المصالحة القواتية – العونية التي تعتبر أنها كانت حاجة وضرورة في معركة استعادة الحقوق المسيحية من ضمن التوازن والشراكة، وأنها طوت صفحة أليمة في الصراع المسيحي – المسيحي وحجزت لنفسها مكاناً لدى شريحة واسعة من المسيحيين في المستقبل ترى أن «القوات» هي المؤهلة  لوراثة إرث الحالة العونية. ولا تقل الكنيسة بقيادة البطريرك الراعي في هذا الإطار إرباكاً عن «القوات»، في لحظة خسرت فيها بكركي الوهج السياسي والدور القيادي الذي كان يلعبه البطريرك صفير. وعلى وقع هذا الإرباك، كان باسيل يتقدّم في معركة تحسين موقعه كمرشح طبيعي للرئاسة من موقع ما يحققه شعبياً ضمن بيئته مع غزارة زياراته المناطقية التي تخطت 35 زيارة، وكان في كل واحدة منها يضيف مدماكاً إلى مداميك الأسطورة التي يصنعها لنفسه فاتحاً ومنقذاً وزعيماً أول لدى طائفته لا يمكن تجاوزه من قبل الشركاء في الوطن في كل المفاصل والاستحقاقات.

 

لكن زيارة الجبل وما أحدثته من تداعيات بعد حادثة قبرشمون لم تضعف حليفه الدرزي فحسب، بل أدخلته في مأزق، وطني، حيث بات التراجع يشكل انتكاسة سياسية قاتلة له. من هنا باتت الأنظار تتجه إلى ما ستؤول إليه زيارة طرابلس. فعلى الرغم من نصائح جاءته إلى تأجيلها نظراً إلى حالة التوتر السياسي العام في البلد وتجنباً لتعريض البلد لمخاطر سياسية وأمنية، إذا ما حصل أي اختراق أو حادثة، فإن الأجواء المحيطة به ترى أن أثمان إرجاء الزيارة أضحت اليوم كبيرة، فهي لن تضرب صورته وتضعفها بل أيضاً ستضرب صورة العهد وتضعفه، بينما من شأن حصولها أن تقلل من الخسائر التي أصيب بها في منازلة الجبل التي حصلت بأيد درزية – درزية، بانتظار أن تفضي المعالجات الجارية إلى إعادة التقاط الأنفاس على جبهة الجبل الذي يسود الاعتقاد بأن الإصرار على إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي ليست إلا ورقة لرفع السقف التفاوضي، إذ إن تمرير هكذا قرار ليس ممكناً في موازين القوى السياسية داخل مجلس الوزراء، حيث أن «التيار» لم يكن ليجد إلى جانبه في هذا الموضوع سوى «حزب الله»، المضطر إلى الوقوف إلى جانب الرئيس!.