Site icon IMLebanon

كل المفاجآت واردة حتى تشرين!

 

في النهاية، يُفترَض أن يكون التحقيق علمياً ويجزم بشكل شفاف ما حصل في المرفأ: ما الذي انفجر، كيف ولماذا؟ حينذاك فقط يمكن تحليل الخلفيات، إذا وُجدت. ولكن، أياً كانت الفرضية الصحيحة، وسواء كان التفجير حادثاً عارضاً أو عملية مدبَّرة، من المؤكّد أنّه شكَّل محطة مفصلية ستأخذ لبنان من مكان إلى آخر، وستعيد خلط أزماته السياسية والمالية والاقتصادية والأمنية بشكل عنيف، وفي توقيت شديد الحساسية.

أين كان لبنان قبل انفجار المرفأ، وأين أصبح بعده؟

 

1- كان البلد كلّه يتخبَّط بلا هوادة في الملف المالي والنقدي والاقتصادي، داخل مؤسسات الحكم، أي رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، وفي مؤسسات القطاع المالي والمصرفي.

 

وكان الأمل مفقوداً في إمكان التوصُّل إلى حلول، بسبب إصرار القوى السياسية على التهرُّب من الإصلاح والمحاسبة، فيما اشتدّ الحصار الدولي على لبنان وتوقفت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

 

على رغم ذلك، بقي المعنيون يتقاذفون المسؤوليات عن الفشل، فيما كان الرئيس حسّان دياب يتباهى بأنّ حكومته حققت في 100 يومٍ 97% من الإنجازات الموعودة.

 

2- كان الجميع يترقَّبون يوم 7 آب، موعد صدور الحُكمِ من لاهاي، في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وصحيح أنّ اتجاه الحُكمِ بات معروفاً، وقد تبلَّغه الرأي العام في شكل جرعات، على مدى 15 عاماً، إلّا أنّ جزم المحكمة بضلوع عناصر أو كوادر من «حزب الله» في العملية لا بدّ أن يترك تداعيات غير مباشرة في لبنان، وعلى مدى بعيد.

 

3- كان لبنان مُربَكاً في الملف الجنوبي، بكل تشعباته:

 

أ- ترسيم الحدود البريّة والبحرية، حيث أعلنت إسرائيل عزمها على التنقيب عن الغاز في المتوسط، بمحاذاة البلوك الرقم 4 اللبناني، حيث الخلاف على مثلثٍ تُقارب مساحته 863 كيلومتراً مربعاً.

 

ب- إعلان واشنطن رفضها التمديد لقوات «اليونيفيل» روتينياً، هذا الشهر، ومطالبتها بتدعيم المهام لتكون أكثر حزماً في منطقة عملها في الجنوب، مع احتمال توسيع دورها جغرافياً نحو الحدود مع سوريا. وقد هدَّدت واشنطن بحجب تمويلها عن «اليونيفيل» إذا لم يتحقّق ذلك.

 

ج- استطراداً، أثارت إسرائيل مجدداً ملف الأنفاق الحدودية التي حفرها «الحزب»، وربطتها بملف الصواريخ الدقيقة التي قالت إسرائيل قبل عامين إنها تُجهَّز في معامل داخل المناطق السكنية أو المنشآت الحيوية في بيروت، وبينها المطار.

 

د- تستهدف إسرائيل بشكل منتظم مواقع «الحزب» في سوريا، وشحنات السلاح أو الذخائر التي ترسلها إيران إليه عبر الأراضي السورية. وهذا الاستهداف كان يحظى بتغطية أو غضّ نظر من جانب القوى الدولية، بما فيها حليف طهران الروسي.

 

ه- اتخذت العقوبات الأميركية والأوروبية على «حزب الله» منحى أشدّ حزماً. ومن ذلك الإجراءات التي اتّخذتها ألمانيا أخيراً.

 

في ظلّ هذا الواقع، ومن دون مقدّمات (واضحة على الأقل)، وقع انفجار بيروت وأدّى إلى إحداث وقائع جديدة:

 

1- سريعاً، استقالت الحكومة التي كان يظنّ كثيرون أنّها ستعيش حتى نهاية العهد. وبدأ الحديث عن خلط أوراق سياسية وإنتاج سلطة جديرة بإنقاذ الوضع، ولو من باب المناورة.

 

2- تضاءلت أكثر فرص الحل المالية والاقتصادية. وخلافاً لما أوحت به زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو ما حاول البعض الإيحاء به، فإنّ القوى الدولية لم تُظهِر أي إشارةٍ إلى فكّ حصارها المضروب على لبنان. فهي قدَّمت مساعدات إنسانية بمقدار 300 مليون دولار، عينيّة بمعظمها، ولا تشمل حتى إعادة البناء.

 

وعلى العكس، شكَّكت هذه الدول بشفافية المسؤولين، وجاء قرارها بالإشراف على توزيع المساعدات من خلال المنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني إلى المتضرّرين مباشرة، لا من خلال الدولة، ليؤكّد أنّ السلطة اللبنانية قد فقدت أي رصيد لها، بل أنّها سقطت تماماً في نظر المجتمع الدولي.

 

3- من خلال انفجار المرفأ، ربما يتمّ النفاذ إلى مزيد من الضغوط على «حزب الله»، في ملفات عدة: اغتيال الحريري وآخرين، مسألة تخزين الصواريخ والأسلحة في مناطق داخلية، هوامش التحرّك العسكري في المناطق الحدودية، وسوى ذلك.

 

4- قد تستفيد إسرائيل من هذا الواقع الضاغط جداً على لبنان و»حزب الله» لتحريك مسألة الحدود الجنوبية، وتحظى بدعم إدارة الرئيس دونالد ترامب. وبالتوازي، قد تبادر إلى تحريك ملفات الترسيم وضبط أنشطة «الحزب» هناك، ومخازن صواريخه في الداخل.

 

إذاً، بعد انفجار المرفأ، يمكن أن يجد «حزب الله» نفسه أمام تحدّي الاستمرار، خصوصاً في ظل استشراس المواجهة بين إيران وإدارة ترامب. وثمة مَن يقول، إنّه يفضل مواصلة سياسة التمييع وكسب الوقت حتى الخريف.

 

ولذلك، هو تلقَّف طرح حكومة الوحدة الوطنية الذي رماه ماكرون، ووجد فيه فرصة للعودة إلى منطق تركيبة 2016 التي سقطت بانتفاضة 17 تشرين الأول 2019.

 

ولكن، إذا قوبل هذا الطرح بـ«فيتو» أميركي، فقد يجد «الحزب» نفسه مضطراً إلى اللعب «صولد» على مدى الشهرين أو الثلاثة المقبلة، أي فترة الانتظار لتبلور نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية.

 

في هذه الحال، سيكون هناك عضّ أصابع شرس بين طهران وواشنطن. فكل من الطرفين يريد تحقيق ما أمكن أو تحسين ظروف المعركة قبل تشرين الثاني موعد الانتخابات، أو تشرين الأول موعد انتهاء حظر التسلّح المفروض على إيران منذ 5 سنوات.

 

وسيكون الوضع اللبناني معقّداً ورديئاً إلى حدّ خطر، خصوصاً إذا مارس الطرفان لعبة المساومات القصوى في السياسة والمال والأمن والقضاء، وبقي لبنان بلا حكومة فاعلة وتلاشت المؤسسات الأخرى بالكامل.

 

يقول بعض المتابعين: «قد يكون صعباً تصوّر أحجام المفاجآت وطبيعتها. وليس مستغرباً أن يكون بعضها بحجم انفجار المرفأ، في السياسة أو المال أو الأمن. وسيكون على اللبنانيين أن يشدّوا الأحزمة، احتياطاً».