Site icon IMLebanon

مرفأ بيروت بابٌ للفساد والإثراء الشخصي

 

في خضمّ أزمات لبنان الصحيّة والماليّة والاقتصاديّة والمعيشيّة والامنيّة وتشعّباتها الخطيرة، يستغلّ البعض انشغال اللبنانيّين بأزمة تفشّي وباء «الكورونا» من أجل الاستمرار في تمرير الصفقات وسرقة المال العام في مختلف الدوائر والمرافق العامّة، ومن أبرزها مرفأ بيروت، الذي تعاقبت على ادارته واستثماره أربعة لجان خاصّة مؤقّتة منذ العام ١٩٩٣، بحيث تقوم «اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت» بإدارة أعمال المرفأ بصلاحيات كاملة من دون الخضوع للرقابة المالية، لا من قِبل وزارة الماليّة ولا من إدارة المُناقصات ولا من ديوان المحاسبة ولا حتى من التفتيش المركزي، في حين ينبغي ان تديره مؤسسة عامة رسمية تخضع لآليّات الرقابة بدلاً من استمرار ادارته من خارج كنف الدّولة.

 

ومنذ العام ١٩٦١ كان امتياز إدارة واستثمار مرفأ بيروت ممنوحاً لـ«شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت» التي قامت لحساب الدولة بإدارة أرصفة وأحواض ومختلف منشآت بيروت، كما ادارة شؤون أراضي وأبنية الملك العام في المرفأ، وذلك لغاية مطلع التسعينيات عندما انتهت مدّة الامتياز، ممّا جعل الحكومة تعهد إلى لجنة خاصّة مؤقتة لإدارة المرفأ عُرفت باسم «اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت».

 

وقد عُيّنت أوّل لجنة مؤقتة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم ١ لعام ١٩٩٣ وتبعتها ثلاث لجان، باتت آخرها بحكم الدائمة كونها تمارس عملها منذ صدور قرار مجلس الوزراء رقم ٩ لعام ٢٠٠١ القاضي بتعيينها والمصدّق بالمرسوم رقم ٧٥٠٥ لعام ٢٠٠٢ ولغاية اليوم. إلّا أنّ الحكومة أصدرت قراراً في العام ١٩٩٧ يقضي بتعيين لجنة مؤقتة جديدة لإدارة مرفأ بيروت واستثماره وذلك «ريثما توضع النصوص اللازمة لهذه الغاية»، على ان تتّبع أصول الاستثمار والأنظمة التي كانت تتبعها وتطبّقها «شركة مرفأ وارصفة وحواصل بيروت» في ادارتها واستثمارها المرفأ، وممارسة ذات الصلاحيات التي كان يتمتّع بها مجلس ادارة الشركة المنتهية مدتها. وهذا يعني أنّ القوانين والأنظمة الواجب إقرارها لإدارة مرفأ بيروت واستثماره قد تمّ تجاوزها ولم يؤخذ بما جاء بخصوصها في القرار الحكومي.

 

وبالعودة الى اللجنة الحاليّة، فهي تستمر بإدارة أعمال المرفأ بصلاحيات كاملة من دون الخضوع للرقابة المالية، وهي تحدّد بنفسها الأشغال والخدمات التي تقوم بها، وتقرر التوظيفات في ملّاكها، وتحدّد رواتب وتعويضات رئيسها ومدراء الإدارات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تسمح المادّة ٨٢ من النّظام المالي لمرفأ بيروت بأن تعقد اللجنة المؤقتة اتفاقيّات بالتراضي مهما كانت قيمتها وتشترط موافقة المدير العام للاستثمار عليها فقط، فضلاً عن المادة ٥٢ من النظام التي تنصّ على أنّ نفقات اللوازم والأشغال والخدمات تُعقد بالمناقصة العمومية، الّا انّه يمكن عقد الصفقات بطريقة المناقصة المحصورة او باستدراج العروض، او عبر اتفاقات بالتراضي كما جرت العادة.

 

وبحسب دراسة صادرة عن المديرية العامة للدراسات والمعلومات في مجلس النواب في كانون الاول من العام ٢٠١٩، فإن اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت تعقد تعهدات ينجم عنها إنفاق المال العام خارج أي إجازة تشريعية، كما أن اللجنة لم تودع وزارة المالية أي حسابات أو تقارير سنوية منذ أعوام عدة. وقدّرت الدراسة الايرادات السنوية لمرفأ بيروت بنحو ٢٤٠ مليون دولار يتمّ تحويل ما يقارب ٤٠ مليون دولار منها الى الخزينة العامة، في حين يتم إنفاق المبالغ المتبقّية تحت بدعة تشغيل وصيانة الميناء.

 

لقد حان الوقت لإرساء إدارة شرعيّة لهذا الملك العام الحيويّ من خلال إقرار النصوص والأطر القانونية اللازمة التي من شأنها أن ترقى بمرفأ بيروت الى مؤسسة عامّة استناداً لما جاء في قرار مجلس الوزراء الصادر عام ١٩٩٧، وبالتالي وجوب تفعيل أجهزة الرقابة من ديوان محاسبة وتفتيش مركزي وإدارة المناقصات ليعود مرفأ بيروت إلى كنف الدولة اللبنانيّة فلا يبقى على ما هو عليه جزيرةً مستقلّة، على أن يتم استثماره بشكلٍ منتجٍ نظراً لأهميته البالغة على المستويات الاقتصاديّة والتجاريّة والماليّة والسياحيّة والاجتماعيّة والأمنيّة.