Site icon IMLebanon

حوار أم هروب إلى الأمام

 

 

لم يؤدِّ اقتراح الرئيس نبيه بري بالدعوة لحوار لمدة سبعة أيام بين الكتل النيابية تليه جلسات متتالية لإنتخاب رئيس للجمهورية سوى إلى مزيد من الإضطراب والتشنج في المواقف، وإلى ارتفاع في حدّة التعبير عن رفض المعارضة للحوار. تجاوب بعض الكتل السياسية مع الدعوة للحوار سواء الملتحقة بتحالف أمل حزب الله، أو ترحيب الكتل المنضوية تحت عنوان عدم جواز رفض الحوار الذي لا بد منه للخروج من الأزمة ـــ لا سيما تلك التي لم تقترع للوزير السابق سليمان فرنجية ـــ لا يمكنهما تغطية الكم الهائل من السلبية الذي راكمته جلسات الإنتخاب المخالفة للدستور التي دعا إليها الرئيس نبيه بري والتي انتهت قبل أن تبدأ.

وبالمقابل لا يمكن إلا تفهم وقبول ردود الفعل العنيفة الرافضة للحوار والتي تبدو منطقية بموازاة هذا الإمعان في استباحة الدستور وفرض نظام أبوي على المجلس النيابي يكرس سيادة مطلقة لرئيسه في الدعوة للإجتماع وتعليق الجلسات خلافاً للدستور، وهو يضيف هذه المرة مأثرة جديدة تفرض التفاهم على مرشح أوحد أو أكثر قبل الذهاب الى جلسة الإنتخاب، دون إظهار الحد الأدنى من الإعتبار لما تعنيه الصفة التمثيلية للنواب أو إرادة اللبنانيين في اختيارهم.

أما الذهاب الى جلسات متتالية حتى انتخاب الرئيس، وفقاً لاقتراح الرئيس بري، فلا يمكن قراءته إلا من قبيل الإصرار على  استغباء اللبنانيين قبل ممثليهم. ربما كان ممكناً التخفيف من الوقع السلبي للحوار اللادستوري المقترح لو كان سيفضي الى جلسة إنتخاب بدورات متتالية وفقاً للمادة 49 من الدستور، أما القول بجلسات متتالية فهو لا يعني سوى تكرار لمسلسل إقفال وإفتتاح سلسلة من الجلسات تضع النواب أمام خيارين لا ثالث لهما ، انتخاب مرشح الممانعة أو الإستمرار في الفراغ.

لم تكن ردود الفعل على الدعوة للحوار مفاجئة أو غير متوقعة، والرئيس بري يدركها قبل سواه. فهل يستقيم الحوار مع من أسماهم بري «فريق الوشاة، الذي يسيّر خطوط ترانزيت جوية عابرة للقارات باتّجاه عواصم القرار في أوروبا وأميركا ويشكل مجموعات ضغط تحريضاً وتشويهاً؟ لقد مثلت الذكرى الخامسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر منصة لإطلاق المواقف ومنها موضوع الشغور الرئاسي، فلمن أراد الرئيس بري توجيه الرسائل من خلال إقتراح الحوار؟

هل فرنسا التي خذلت محور الممانعة بعد الإتهام الصريح الذي وجَّهه الرئيس ماكرون لإيران بعرقلة الحل السياسي في لبنان أمام الدبلوماسيين في «مؤتمر السفراء» في باريس في 28 أغسطس/آب المنصرم، ولهذا أتت الدعوة لاستباق وصول الموفد الرئاسي جان إيف لودريان؟ أم للتأكيد على إستمرار الدعم الإيراني لمحور الممانعة بالرغم من الإتفاق السعودي الإيراني وملاقاة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي وصل الى بيروت في زيارة مفاجئة ومجهولة الأهداف؟ زيارة عبد اللهيان التي اجتمع خلالها بحلفائه وأكد دعم بلاده للمقاومة بدت أقرب الى استدعاء فرضته المستجدات ومنها صدور قرار مجلس الأمن 2695 بالتجديد لقوات اليونيفيل مع التأكيد على حرية حركتها دون أي إذن مسبق ودون التنسيق مع الجيش اللبناني. وقد يكون في المؤتمر الصحفي الذي عقده اللهيان في وزارة الخارجية حول مسألة الكهرباء واستعداد بلاده للتدخل بعد تعثر وصول الغاز المصري أكثر من دلالة على صفة الإرتجال وليس على زيارة هادفة تقوم بها دولة إقليمية وازنة.

وبصرف النظر عن المضي بالدعوة المرتجلة للحوار وعن جدوى إنعقاده بمن حضر أو عدمه، يطرح التساؤل حول قدرة فريق الممانعة على التعايش مع احتمال وصول مرشح لم تختاره الى سدّة الرئاسة. إن هاجس تشكيل أكثرية مطلقة تفضي الى انتخاب رئيس من خارج محور الممانعة هو ما يحول دون دعوة الرئيس بري الى جلسة واحدة بعدة دورات لإنتخاب الرئيس وفقاً للمادة 49 من الدستور.

يبدو أن أقصى المتاح في ظلّ وجود ضوابط إقليمية ودولية تمنع تفجير الموقف الأمني والميداني على الحدود هو الإنحدار في الخطاب السياسي وتوجيه الإتهامات للآخرين بشراء الذمم في مراكز النفوذ في العواصم الغربية. وفي هذا السياق يصبح الحوار مجرد وسيلة  للهروب الى الأمام.

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات