لم يجد الرئيس نبيه بري ما يقوله لزواره سوى التذكير بالشعار الذي كان رفعه مع بداية الأزمة الرئاسية، وخلاصته «ليتفق الافرقاء المسيحيون ونحن من ورائهم..» «فعصر العجائب ولّى، وليس باليد حيلة..» وقد استنفد كل ما يقدر عليه لاخراج لبنان من مأزقه الراهن، الذي بدأ يثير قلقاً دولياً لافتاً تمثل في اجماع الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والأمم المتحدة على «خريطة طريق» للخروج من «الفراغ الرئاسي» «والنأي بالنفس» عما يجري في المنطقة من حروب، والعمل علي صيانة الأمن والاستقرار في الداخل، زائد عدم تعطيل الحكومة، التي باتت المؤسسة الرسمية الوحيدة العاملة، ولو بالحد الأدنى وقد تجاوب الرئيس تمام سلام مع هذه الدعوة المتكررة على ألسنة العديد من الدول المؤثرة في الواقع الاقليمي..
يرفض الرئيس بري ان يكون يغسل يديه من مسؤولية متابعة العمل والأنشطة والاتصالات من أجل اخراج البلد مما آل اليه.. وهو إذ يرمي الكرة في ملعب «الافرقاء المسيحيين» يعرف جيداً ان المشكلة الحقيقية في أحد أبرز أدواتها وعناصرها هي في ملعب «المارونية السياسية..» وليس في يده ما يؤهله لدور فاعل في هذا المجال، وقد أقفلت طاولة الحوار، والحكومة مهددة بالتعطيل جراء الاستقالات والانسحابات والمقاطعة المفتوحة على مداها الزمني المفتوح على العديد من الاحتمالات، لاسيما بعد تصعيد لهجة التهديدات بحراك شعبي على الارض.
من يدقق في المواقف المعلنة والحملات المتبادلة والسجالات الحادة بين أفرقاء أساسيين في «المارونية – السياسية» يدرك ان المشكلة الحقيقية هي في هذا البيت قبل سواه.. وقد جمعت «القيادات السياسية المارونية» (من خارج «التيار الوطني الحر»، ومن خارج «القوات اللبنانية») أمرها وقررت خوض مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات مع «التيار الحر» المتهم بمحاولة الاستئثار بالسلطة من أعلى الهرم الى آخر وظيفة «تحت شعار» الدفاع عن حقوق المسيحيين والميثاقية.. لايهام الناس ان الصراع على المراكز قائم بين المسلمين والمسيحيين، في الوقت الذي ينحصر التنافس بين المسيحيين على المراكز المسيحية في السلطة والادارة» (رئاسة الجمهورية – قيادة الجيش مثلاً)
طرق الرئيس نبيه بري، باب الصرح البطريركي أكثر من مرة، لكن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الذي كان أظهر رغبة في ذلك، مشفوعة بدرجة عالية من الحماسة المسؤولة لجمع «الأقطاب الموارنة» على طاولته، بهدف الخروج بتوافق يحفظ «الكيان الماروني» ويسهل خروج لبنان من مأزقه الرئاسي، لم يصل الى مبتغاه، وقد لمس لمس اليد أن المسألة أكثر تعقيداً مما كان يتوقع ويعتقد، وأن مفاتيح الحل ليست بيده، كما ليست في يد عديدين من الذين سلموا زمام أمورهم للحلفاء من خارج «المارونية السياسية»، حيث الرغبات الشخصية والمصالح الفئوية والفردية تطغى على ما سواها وان ركبت صهوة استغلال الواقع المسيحي.. كما سائر الطوائف والمذاهب..
على طريقته، لم يقفل بري الأبواب نهائياً، ومن «خروم الشبك» استأنف اتصالاته ومشاوراته، بعد اعلانه طي «طاولة الحوار الوطني» وهو يؤكد «ان سلام لبنان وعبوره الى الدولة لا يمكن ان يتحقق إلا خارج التحالفات والخطوط.. وأن المخرج الأساس للوضع الراهن هو «الحوار الوطني» على خلفية استعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وايران لايجابياتها..» وهي مسألة ليست في اليد، وليس في المؤشرات ما يدل على ان شيئاً من هذا قد يحصل في وقت قريب، خصوصاً وأن قيادات ايرانية رفعت من منسوب حملاتها على الرياض، في توقيت لافت تقاطع مع الاجراءات الاميركية الأخيرة على خلفية تفجير 11 أيلول 2001.
لم تقفل الطريق مع البطريرك الراعي.. خصوصاً وأن «التنافس» ليس محصوراً داخل المارونية السياسية.. وهو في «السنية – السياسية»، كما وفي «الشيعية السياسية» وان بمنسوب منخفض.. والرئاسة الأولى، وان كانت لماروني، إلا أنها رئاسة لبنانية أولاً وقبل كل شيء.. وكذلك قيادة الجيش، وإلا فإن لبنان يكون يؤسس لمرحلة او لصيغة جديدة، تواكب ما يجري الحديث عنه على مستوى المنطقة عبر «سايكس – بيكو» جديد و»تقسيم المقسم..»؟! لكن وعلى ما يظهر فإن سيد بكركي، «غسل يديه واعتذر عن دور له لا جدوى منه حالياً».
ومن التدقيق في المواقف يتبين أن أكثر ما يصدر من مواقف حادة التعابير تلك الصادرة عن أفرقاء من النسيج الطائفي او المذهبي الواحد.. وعنوانها الأبرز السعي للقبض على السلطة والاستئثار بمواقع القرار، واحتلال «الوزارات والادارات الدسمة» و»التي تسمح لمن يتولاها تحقيق المكاسب الشخصية على مختلف أنواعها..» وان على حساب الدولة والدستور والقوانين والمصالح العامة..
