Site icon IMLebanon

بكركي- «حزب الله»… إنكسرت الجرّة؟

 

 

لم تمرّ العلاقةُ بين البطريركية المارونية و»حزب الله» بهذه البرودة التي تعيشها حالياً حتى في ظلّ مرحلة الوصاية السورية وكل التداعيات التي رافقت إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وثورة الأرز.

 

كثيرة هي التراكمات التي أدّت الى انسدادِ أفق العلاقة بين المرجعيّة المسيحية الأكبر في الشرق وحارة حريك، ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّه في عهد البطريرك مار نصرالله بطرس صفير كانت هناك لجنة حوار دائمة بين الطرفين برئاسة النائب البطريركي المطران سمير مظلوم، وإستمرّت إجتماعاتُ تلك اللجنة بالعمل على رغم السقف السياسي العالي الذي انتهجه البطريرك صفير والذي كان يصوّب أيضاً على سلاح «حزب الله».

 

لكنّ الجديد- القديم أنّ تلك اللجنة لم تجتمع منذ مدّة طويلة، وكأنّ الحوار بين البطريركيّة و«الحزب» وصل إلى طريق مسدود ولم يعد ذا جدوى.

وعند السؤال عن عدم اجتماع تلك اللجنة يجيب أحد المسؤولين في بكركي ممازحاً: «يمكن المطران مظلوم خفّت همتو».

 

لكنّ الحقيقة في كل ذلك، أن لا المطران مظلوم خفّت همته، وهو الذي ما زال نشيطاً، ولا السبب لوجستيّ أو تقنيّ، بل إنّ هناك تباعداً كبيراً في النظرة الى بعض الأمور بين «حزب الله» والبطريرك الراعي.

 

ولا يمكن تعدادُ كل المحطّات التي أدّت الى ذاك التباعد، على رغم أنّ الراعي كسر بعض المحرّمات ومنها زيارة سوريا الرعويّة مثلاً، لكنّ التباين الحقيقي بدأ عندما قرّر الراعي زيارة الأراضي المقدّسة في 26 أيار 2014، عندها إستنفر «حزب الله» وزار وفدٌ منه بكركي في محاولةٍ لثنيه عن القيام بمثل هكذا خطوة، فكان جواب البطريرك حازماً: «إنني أزور رعيّتي وهذا واجبي، وهؤلاء أبناؤنا»، ولم تقف الأمور على الزيارة التي قام بها الى القدس بل إنّ الكلام العالي النبرة الذي قاله خلال لقائه اللبنانيين المبعدين الى إسرائيل ترك تردّداته.

 

المحطّة الثانية، كانت عندما شنّ مجلس المطارنة الموارنة برئاسة الراعي هجوماً قوياً على السلاح غير الشرعي واستطراداً على سلاح «حزب الله» في صيف الـ2014، من ثمّ تابع هجومه لاحقاً وبمحطات عدّة، داعياً الى تسليم كل السلاح غير الشرعي الى الدولة، لأنه لا يمكن الإستمرار في ظلّ إزدواجيّة السلاح.

 

أمّا المحطّة الثالثة الرئيسة في رحلة التباعد فكانت زيارة الراعي الى السعودية في تشرين الثاني من العام الماضي، حيث كان أوّل بطريرك يزور المملكة، عندها حاول «الحزب» ثنيَه أيضاً عن تلك الزيارة خصوصاً في ظلّ أزمة استقالة الحريري في 4 تشرين الثاني من الماضي، لكنّ الراعي لم يردّ وأتمّ الزيارة.

 

كل تلك الأمور جرت وسط الأزمات السياسية العاصفة، وجديد تلك الأزمات تأخير تأليف الحكومة، وفي حين فُكّكت كل العقد المسيحية والدرزية ظهرت العقدة السنّية بدعم من «حزب الله».

 

ذُهل الجميع بظهور هذه العقدة بعدما سلّموا أسماء وزرائهم للرئيس المكلّف سعد الحريري، باستثناء «حزب الله». وفي وقت «ضاعت الطاسة» ولم يعرف الأفرقاء لمَن يحمّلون مسؤولية التعطيل، فمنهم من إعتبرها عقدة سنّية- سنّية، وآخرون رأوا فيها عقدة سنّية- شيعية، والبعض الآخر حمّلها الى الرئيس ميشال عون أو الحريري، خرج الراعي بموقف حازم وصريح، وحمّل «حزب الله» مسؤولية العرقلة، وقد أرسل رسالة الى «الحزب» عبر المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان لحضّه على تسهيل التأليف.

 

ولا يبدو أنّ رسالة الراعي الى «حزب الله» أتت بمفعول إيجابي، حيث أطلّ أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله يوم السبت الماضي بخطاب تصعيدي هو الأقسى من فترة، وأثار «نقزة» لدى الجميع وتساؤلاً عن سبب هذا التوتير في حين أنّ البلاد تحتاج الى إنقاذ.

 

وترى البطريركيّةُ المارونية أنّ كل هذا التصعيد والخطابات عالية النبرة لا ينفعان، والمطلوب اليوم دعم جهود الرئيسين عون والحريري لتأليف الحكومة، لا خلق العراقيل وضرب الإستقرار.

 

وتؤكّد أنّ الراعي داعم لعون والحريري في مهمتهما، وهذا الأمر بات واضحاً، لأنّ الإستمرارَ بهذا التعطيل سيؤدّي بالبلاد الى الخراب.

 

ولا تحبّذ بكركي الدخول في صدام مع أيِّ مكوّن لبناني، بل تعتبر نفسها مرجعيّةً جامعة، لكن هذا لا يمنعها من تسمية الأمور بأسمائها، ولو كان الوضعُ طبيعياً لما كان البطريرك دخل في كلّ هذه المعمعة، لكنّ الإنهيارَ الذي تتحدّث عنه التقارير المحلية والدولية لن يرحمَ أحداً.

 

لذلك تسأل بكركي: هل يصمت البطريرك ويترك البلاد تنهار لكي لا يزعل منه أحد، أو إنه عليه الضغط على الجميع كائناً مَن كان من أجل عدم وضع عصي في الدواليب؟

 

تعتبر بكركي أنّ كل خطاب تصعيدي سيزيد الأمور صعوبةً، والوقت الآن ليس وقت تسجيل مواقف وتوتير الساحة، بل إنه وقت إطلاق ورشة عمل إنقاذية، لأنّ البلاد كما قال الراعي لا يمكن أن تُحكم من الميليشيات السياسيّة.

 

لم تقف بكركي ضدّ تمثيل أيِّ مكوّنٍ سياسيّ وخصوصاً من الطائفة السنّية، لكنّ هذه الأمور يقرّرها رئيسا الجمهورية والحكومة وليس أيّ قوّة أو فريق يظنّ أنّ بإمكانه فرض شروطه وأقوى من المؤسسات الدستوريّة.