بعد أكثر من سبع ساعات، رُفعت جثة بائع الخردة أحمد الشهاب الذي عثر عليه مقتولاً في محيط مستشفى بلدة ميس الجبل أول من أمس، والذي كان قد فُقد أثره قبل يوم من اكتشاف جثته.
عدم توافر القوى الأمنية في البلدة وجوارها أخّر تطبيق إجراءات الإبلاغ عن فقدانه والبحث عنه وصولاً إلى جمع الأدلة الجنائية وتعقب المشتبه بارتكابهم الجريمة.
إذ إن مخفر ميس الجبل لا يزال «نازحاً» إلى مخفر القليعة ولم يعد مع الأهالي الذين عادوا بعد تثبيت وقف إطلاق النار! وهي حال مخفر رامية الذي «نزح» إلى بنت جبيل ومخفر علما الشعب الذي «نزح» إلى القليلة.
عثر على جثة الشهاب بجهود من عائلته وشرطة بلدية ميس الجبل وعناصر الدفاع المدني في كشافة الرسالة الإسلامية.
وبعد أكثر من ساعتين، وصلت قوة من عناصر مخفر ميس إلى… ميس. فيما وصلت قوة من الاستقصاء بُعيد الواحدة ظهراً.
جهود البلدية والدفاع المدني أسهمت في توقيف عدد من المشتبه بهم من العمال السوريين المقيمين في البلدة، والذين عُثر في حوزتهم على مسروقات سطوا عليها من منازل ومحال في البلدة.
سجلت 150 جريمة سرقة في بلدة ميس الجبل فقط الشهر الماضي
الشهر الماضي، سجلت 150 جريمة سرقة في ميس الجبل. فرغم توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي بين الحين والآخر في عمق البلدة وتعقب العدو لكل حركة، يُسجل نشاط مكثف لسارقي المنازل المهجورة.
ولم يدّعِ أي من ضحايا السرقات لدى الأجهزة الأمنية لعدم تكبّد عناء الانتقال من ميس إلى القليعة. فيما الكثير من المرتكبين «يزمطون» قبل وصول الدرك.
الأمر نفسه ينطبق على بلدات حولا والعديسة وبرج الملوك حيث لا تزال مخافرها نازحة إلى القليعة في مرجعيون، علماً أن الطريق من ميس وحولا ومركبا والعديسة وكفركلا باتجاه مرجعيون غير سالكة بسبب تعرضها لاعتداءات متكررة، ما يستدعي الالتفاف عبر وادي السلوقي وقعقعية الجسر والنبطية.
كما في ميس الجبل، كذلك في سائر البلدات الجنوبية الحدودية. عشرات الأحياء المهجورة إلا من جنود الاحتلال الذين يتوغلون بين فينة وأخرى، وللسارقين والمعتدين على الأملاك العامة والخاصة.
لا مخافر و لا دوريات ولا حضور للدولة، باستثناء عناصر الاستقصاء الذين يتعقّبون ورش البناء، فيما المنازل التي كانت لا تزال تضم بعض المحتويات خلت تماماً من كل ما يمكن أن يباع.
ووفق مصادر متابعة، لا تزال وزارة الداخلية والبلديات ترفض عودة المخافر، «لأن الوضع الأمني لا يسمح» ولأنه «ليست لدى الدولة إمكانات لترميم المخافر المتضررة أو إعادة بناء تلك المدمرة، ولا نية حتى الآن لاستحداث مراكز بديلة مؤقتة كما فعل الجيش».
مافيا «المدارس – الدكاكين»: هل تجرؤ كرامي؟
تستمر دكاكين المدارس الخاصة في الحصول على الموافقات الاستثنائية وتزوير الإفادات بغطاء من موظفين داخل الوزارة نفسها
فاتن الحاج
رغم الألغام التي زُرعت في طريقها، ظهرت وزيرة التربية، ريما كرامي، أخيراً في صورة «الوزيرة الإصلاحية»، بعدما تمكّنت، بالتنسيق مع المدير العام للتربية فادي يرق، من حماية الامتحانات الرسمية من مخطط كان ليقضي على ما تبقّى من الثقة بهذا الاستحقاق الوطني.
لكنّ هذا ليس سوى رأس جبل الجليد. فالمعركة الحقيقية تبدأ عند اقتلاع أخطبوط الفساد وشبكات التخريب التي اختبرتها كرامي من كثب خلال تجربة الامتحانات.
فعرّابو هذه المافيا لم يدّخروا وسيلة، من ترشيح تلامذة وهميين، إلى افتعال إشكالات داخل المراكز، إلى التشويش على الطلاب عبر تسريب فيديوهات الترجيحات، ومحاولة خرق توزيع الأسئلة في 17 مركزاً، والدفع بالشبكة نفسها نحو الامتحانات المهنية، حيث الأرض أكثر خصوبة لـ«التخريب».
ولم يكن هؤلاء ليجرؤوا على بلوغ هذا الحدّ لولا الغطاء الذي وفّره رئيس مصلحة التعليم الخاص، عماد الأشقر، لما يُعرف بـ«المدارس – الدكاكين»، وهي مؤسسات وهمية تواصل تقديم طلبات للحصول على موافقات استثنائية، وتزوير الإفادات، وترفيع تلامذة راسبين، وتسجيل طلاب وهميين، مقابل مبالغ خيالية.
السوق مفتوحة، والسعر الوسطي للموافقة الواحدة بلغ نحو 28 ألف دولار، وهي تختلف بحسب قسط المدرسة وتقديرات «جباة الرشى» وعرّابي الدكاكين، وهم موظفون مداومون داخل الوزارة يتابعون المعاملات من كثب، وبعضهم من أصحاب السوابق.
في معظم الحالات، يتقدّم أصحاب «المدارس الدكاكين» بطلب موافقة استثنائية متذرّعين بتأخر الوزارة في الرد، وهنا يتدخّل الأشقر، مقترحاً منح موافقة مشروطة بـ«الإقفال لاحقاً». وكلما اقترب العام الدراسي من نهايته، يجد الوزير نفسه أمام أمر واقع يضطر معه إلى تغطية المخالفة، فيكتمل المشهد بمنظومة تحايل ممنهج على القانون، تُدار من داخل الوزارة نفسها وتعيد إنتاج الأزمة عاماً بعد عام.
داخل الوزارة، ثمّة من بدأ يراهن على أن كرامي ستضع حدّاً لهذا «الروتين»، إذ إن الطريق إلى مكتبها في الطبقة الـ 15 لم يعد سالكاً كما كان في السابق.
فملفات «الموافقات الاستثنائية»، وتعيينات المديرين لهذه المدارس، وطلبات نقل مقراتها، باتت تخضع للتدقيق والمراجعة، بعدما كانت تمرّ بلمح البصر.
ويشي هذا التغيير بأن الثقة لم تعد تُمنح تلقائياً لما يصدر عن مصلحة التعليم الخاص، التي دائماً ما كانت الممر الإجباري لهذه الصفقات والمخالفات.
المعدل الوسطي للموافقة الاستثنائية الواحدة 28 ألف دولار
ويستند هؤلاء إلى أن كرامي حرصت في الفترة الأخيرة على رفض التوقيع تحت الضغط لإعطاء بطاقات ترشيح للامتحانات الرسمية، مكتفية بتلبية طلبات أهالي الطلاب الذين حضروا مباشرة إلى مكتبها عشية الاستحقاق، من دون تمرير أي موافقة عبر إدارات المدارس، في ظل محاولات متكررة لتوريطها بملفات ملغومة بالمخالفات.
أحد هذه الملفات، الذي صدم الوزيرة، يتعلّق بمدرسة في إقليم الخروب نالت موافقة استثنائية، وطلب مديرها لاحقاً قبول لوائح ترشيح قدّمها خارج المهلة القانونية، تتضمّن أسماء طلاب من مدرسة أخرى، من دون إفادات أو مستندات ثبوتية، بذريعة أن المدرسة الأصلية لم تُقدّم لوائحها للعام الدراسي 2023 – 2024.
وبحسب مصادر الوزارة، لو تم تطبيق القانون بحذافيره، لخسر هؤلاء الطلاب سنتين دراسيتين، ما يكشف خطورة العبث الإداري الذي كادت كرامي أن تُستدرج إليه.
وثمة ملف أكثر خطورة يتعلق بمنح الأشقر موافقة استثنائية لإحدى المدارس عن العام الدراسي 2023 – 2024، استناداً إلى إحالة قديمة تعود إلى عام 2020 أيام الوزير الأسبق طارق المجذوب، ومن دون الرجوع إلى الوزير عباس الحلبي الذي كان يتولى الوزارة في 2023 – 2024. هذه الخطوة تنتهك صراحة مبدأ حصرية الموافقة لسنة دراسية واحدة، علماً أن المجذوب غادر الوزارة منذ عام 2021، ما يجعل «تجديد» الإحالة شكلاً فاقعاً من أشكال التلاعب الإداري.
أما الموافقات الاستثنائية، فقد مُنحت لمدارس لم تُقدّم أصلاً أي طلبات رسمية، بل اكتفت بحجز رقم في دفتر السجلات، وأخرى تقدّمت بطلبات من دون إرفاق أي مستندات، رغم أن طلابها غير شرعيين، أي إنهم راسبون في مدارس أخرى ويفتقرون إلى التسلسل الدراسي المطلوب، ولمدارس طلابها قانونيون ولكن مستنداتها ناقصة. في المقابل ثمة حالات مثل نقل المباشرة من مكان إلى آخر تُرفض لأن أصحابها لا يدفعون، علماً أنهم يستحقون الموافقة.
ذلك كله موثّق بشهادات أصحاب مدارس لا يتورّعون عن التصريح علناً بالمبالغ المدفوعة مقابل كل «موافقة»، وكأنهم خرجوا من صفقة تجارية لا من وزارة التربية. لذلك، السؤال اليوم لم يعد تفصيلاً: متى تنتهي هذه المهزلة؟
الكرة الآن في ملعب كرامي، فهل تجرؤ على اتخاذ القرار الحاسم ووقف مسلسل الابتزاز الذي يطحن الأهالي ويهدّد مستقبل أبنائهم؟
أم أن «الحلوينة» ستبقى جواز المرور الوحيد في وزارةٍ تُباع فيها الشهادات وتُشترى فيها الضمائر؟
ما يجري ليس مجرد خلل إداري، بل جريمة موصوفة بحق التعليم والطلاب.