Site icon IMLebanon

«الخيار الحكومي الثالث» أمام الحزب كان مفقوداً

 

 

مهما قيل في قرار «الثنائي الشيعي» بالعودة الى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، وبمعزل عن النتائج الإيجابية المترتبة عليه، فإنّ البحث عن الظروف التي قادت الى اتخاذه ما زالت تخضع للنقاش، كلما تسرّب جديد يتصل بمرحلة مخاض ولادته. وإن توقف المراقبون أمام البعض منها، لا يمكن تجاهل التباين بين طرفي الثنائي الذي لم يعد سراً، وخصوصاً انّه قاد الى التشدّد الذي عمد اليه الحزب، للبت بالعودة النهائية. فلماذا وكيف؟

لم يكن مستغرباً ان تنقسم الآراء في تفسير خطوة «الثنائي الشيعي» بالعودة الى مجلس الوزراء، في وجود خيارين احدهما يقود الى ربطه بالتطورات الدولية والاقليمية، وتحديداً تلك التي تشكّل طهران طرفاً فيها قياساً على ما يجري في شأن ملفها النووي في فيينا، او عند مقاربة المفاوضات الجارية مع المملكة العربية السعودية. فيما يقود الثاني الى اعتباره داخلياً، جاء من «عنديات الثنائي» كما جزم رئيس مجلس النواب نبيه بري بذلك، في اول تعليق له على الخطوة التي أنهت الشلل الحكومي وأحيت جلسات مجلس الوزراء للبحث في ما هو طارئ، يعني البت بمشروع قانون الموازنة العامة وما يتصل بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والخدمات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومعها التحضيرات للانتخابات النيابية المقبلة.

وفي سياق هذا التفسير المزدوج للخطوة، اختلفت القراءات والأفكار التي سعت الى إثبات أي من الخيارين يتقدّم على الآخر، الى أن بدأت تظهر المعطيات التي دفعت الى الربط بينها والعوامل الداخلية التي قادت الى هذه الخطوة المفاجئة في توقيتها وشكلها ومضمونها، وتحديداً عندما تسرّبت وقائع من المناقشات التي دارت بين الثنائي، والتي لم تخلُ من بعض الحماوة في بعض جوانبها، وخصوصاً عندما تلامس ما ادّى الى تعطيل مختلف جوانب الحياة في الدولة والوزارات والمؤسسات العامة، على الرغم من جهود عدد من الوسطاء الحميدين الذين عملوا على ترطيب الأجواء بينهما وبين كل من رئيس الجمهورية وفريقه السياسي والحزبي ورئيس الحكومة، الذي رفع الصوت عالياً تجاه بعض المواقف التي أُطلقت مما يجري في الداخل والخارج. وهو أمر أجبر بوجهيه في بيان السبت الماضي، على اعتبار انّ الخطوة جاءت رداً على الحملة التي حمّلتهما المسؤولية عمّا آلت إليه التطورات وتدهور الأوضاع في البلاد الى الدرك الذي بلغته.

وانطلاقاً من هذه المعادلة التي عاشت البلاد في ظلها طوال شهرين من اصل عمر الأزمة التي تجاوزت شهرها الثالث بقليل، فقد ثبت بالوجه الشرعي، انّ الاستمرار في تعطيل مجلس الوزراء لم يعد ممكناً، وانّ مسلسل الشروط التي وضعها الثنائي لـ»قبع» المحقق العدلي طارق البيطار وتصويب السلوك القضائي، ليس من مهمّة اي سلطة أخرى غير السلطة القضائية. وهو أمر لا يمكن الإقرار به على خلفية الحديث عن الحدّ الأدنى من احترام مبدأ الفصل بين السلطات الدستورية، وخصوصاً بعد فشل سلسلة «مشاريع الصفقات» التي طُبخت في مواقع مختلفة ولم توفّر المخرج الذي يمكن ان تعبره.

ولما لم يعد من بدّ الإعتراف بأنّ السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يمكن ان تحلاّن محل السلطة القضائية في إدارة شؤونها الداخلية، كان لا بدّ من الإشارة الى انّ التهديدات التي طاولت البيطار من قلب قصر العدل، ومعها المحاولات الفاشلة لإمرار صفقة إبعاده التي تمّ تغليفها بقرارات سياسية وادارية، وضعت السلطة القضائية في موقع الدفاع عن حقوقها. كما عززت الحصانة التي يتمتع بها المحقق العدلي، الى درجة شهدت عليها بيانات نادي القضاة والمواقف التي سجّلها مجلس القضاء الاعلى ومرجعيات قضائية اخرى، بعدما أنهت بعض الملاحظات والاعتراضات الشكلية داخل السلطة القضائية التي برزت من وقت لآخر على خلفياتها السياسية والحزبية وحتى المذهبية.

وفي اعتراف العارفين بكثير من التفاصيل، فإنّ «السدّ المنيع» الذي واجهه موقف «الثنائي الشيعي» من تجميد العمل الحكومي بشروطه المعلنة، دفع به الى إعادة نظر كبيرة وعكسية بالاستراتيجية المعتمدة على المستويات كافة، في مرحلة هي الأدق، نتيجة القراءة الواقعية للنتائج الكارثية التي عكستها هذه الأجواء. فالدولار الأميركي قفز قفزات خطيرة لا يمكن ان يتحمّلها أي طرف مهما كانت قوته، بعدما بلغت إنعكاساته مختلف أوجه حياة اللبنانيين وطاولت مختلف شرائح المجتمع، الى درجة هدّدت البيئة الحاضنة للثنائي والمقاومة خصوصاً، والتي لم تتمكن قيادتهما من الدفاع عن توجّهاتهما الداخلية، اياً كانت الظروف التي حتّمت عليهما التصلّب الذي عبّرت عنه مواقفهما.

وانطلاقاً من هذه الوقائع، بدأ التفكير بالخروج من «المغطس» الذي قاد التصلّب اليه، ولم يعد هناك أي خيار ثالث للخروج من الأزمة العالقة غير خياري الإستمرار في تعطيل الحكومة او العودة عنه. فالأهداف المأمولة من الخيار الاول باتت تبتعد يومياً عن المرمى، كما سقطت كل المحاولات التي جرت لتحقيقها. وزادت التجاذبات التي استخدمت المؤسسات الدستورية ساحات لها، فدخلها الشلل الذي عمّ القطاعات الحيوية واحدة بعد أخرى، وسط تحذير من انفجار شامل قد لا يوفّر احداً إن تُركت الامور على ما هي عليه. وقد بات «الثنائي» مسؤولاً عن مختلف مظاهر الأزمة مهما تعدّدت أسبابها ووجوهها، ولن يكون بمقدوره مواجهتها او وضع حدّ لها مهما كانت القدرات المتوافرة.

عند هذه المعطيات، بدأ «حزب الله» إجراء الإتصالات اللازمة على اكثر من مستوى، بحثاً عمّا يلاقيه الى المخرج وتخفيف الهجمة التي طاولته، وشارك فيها حلفاؤه بأكثر من طريقة من دون جدوى، الى أن باتت تهدّد علاقاته الاستراتيجية بعدد منهم. فاستعجل مشاوراته من ضمن الثنائي، وتحديداً مع رئيس مجلس النواب وقيادة حركة «امل»، بحثاً عمّا يخفف الكلفة عليهما وعلى البلد. فالظروف الاقليمية تغيّرت الى حدّ ما، واتخذت المواجهات الدائرة على طاولة فيينا أبعاداً مختلفة، وباتت الحرب في اليمن على قاب قوسين او أدنى من ان تنقلب رأساً على عقب، ولا يمكن انتظار أي محطة خارجية مؤثرة في الداخل اللبناني في مرمى قريب. وعندها، كان لا بدّ من اتخاذ القرار قبل فوات الأوان، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الداخل، وانتظار نهايات اللعبة الاقليمية والدولية التي باتت بعيدة المدى، مخافة سقوط البلد قبل بلوغ مرحلة التفاهمات الخارجية.

وعليه، لم يكن هناك بدّ من اتخاذ القرار الذي يبدّل الوضع وينزع التهمة عن الثنائي، ويُبعد عنه تبعات ما يمكن ان تقود إليه المعالجات، لتلقى على عاتق الجميع. فالمواجهة المطلوبة لتغيير الواقع صعبة جداً، وقد لا تكفي جهود الخصوم جميعاً لإتمامها. فلماذا تبقى التبعات على الثنائي فحسب، وخصوصاً بعد ان نجحوا في ربط أي مخرج ممكن للأزمة، تارة باستعادة النشاط الحكومي وطوراً بوقف صلاته وتدخّلاته في الخارج الإقليمي، لوقف النزيف الحاصل قبل الارتطام الكبير.