Site icon IMLebanon

ضريبة الكربون… حتماً: كيف يستعد لبنان؟

 لم تعد قضية تغير المناخ تدور في دائرة التوقّعات والتكهنات والترجيحات. مناخ العالم يتغير، وهذه حقيقة علمية. والأضرار التي ستنجم عن ذلك كبيرة جداً، إلى درجة قد تطيح بكل مكتسبات التنمية التي نعرفها. المدخل الى مواجهة هذه الظاهرة هو فرض «ضريبة الكربون»، فكيف يستعد بلد نامٍ، مثل لبنان، للتعامل مع هذا النوع من الأضرار والضرائب الجديدة؟

 

لم يعد هناك شكّ في أن الوقود الأحفوري هو المسؤول الأول عن الانبعاثات المسبّبة لظاهرة تغير المناخ العالمي، وأن المدخل إلى التخفيف من هذه الانبعاثات هو اللجوء إلى «ضريبة الكربون» (تسعير الكربون المؤثّر على تغير المناخ، بحيث يدفع كلفته كل من يتسبّب بانبعاثاته). ولكن، كيف يتم وضع هذه الضريبة، وكيف تكون عادلة وشاملة، ومن يتوجّب عليه دفعها؟ مع الأخذ في الاعتبار أن متطلبات هذه الضريبة تعني تغييراً عميقاً في النظام الضرائبي عامة، وفي الأنظمة الاقتصادية المسيطرة حتماً.

لتكون هذه الضريبة عادلة وفاعلة ومؤثرة – أو مخففة من فداحة المشكلة – يُفترض أن تكون من طبيعة المشكلة نفسها. والمعيار الرئيسي الذي لا يرقى إليه الشك لقياس مدى العدالة، هو: الواقع كما هو. بمعنى أن طبيعة هذه الظاهرة هي التي تحدد طبيعة المعالجات. فإذا كانت طبيعة ظاهرة تغير المناخ تراكمية، أي أن الانبعاثات تراكمت في الغلاف الجوي منذ الثورة الصناعية وبدء استخراج الفحم والنفط والغاز لتوليد الطاقة مع ما تسبّبه من انبعاثات… على الضريبة أن تكون تراكمية وتصاعدية أيضاً. وأن يتحملها، على المستوى الدولي، من صنّع أكثر ممن استهلك. كما يفترض أن توضع الضريبة الأعلى على الثروات التي تراكمت (مع الانبعاثات) خلال السنوات الماضية.

 

الطبيعة التراكمية

وبما أن الانبعاثات تراكمية، تكدّست منذ الثورة الصناعية في البلدان المصنفة صناعية وغنية، يرتّب ذلك مسؤولية تاريخية على تلك البلدان لمساعدة البلدان الأخرى على التخلّي عن نموذجها الحضاري الكارثي أولاً (بدل تقليدها)، وعدم الاحتيال في نقل هذا النموذج إلى البلدان النامية، وذلك قبل الحديث عن المساعدات والهبات التي سرعان ما يتبيّن أنها استثمارات جديدة. كما أن عليها إعادة النظر في قواعد نقل التكنولوجيا – كونها حقاً من حقوق الإنسان العالمي بالوصول إلى المعرفة – المتراكمة أيضاً عبر السنين من كيس دافعي الضرائب أجمعين، أو من كيس عائدات الموارد الأساسية التي كان يفترض أن تبقى تحت إدارة الدول ورعايتها.

 

…والعالمية

وإذ كانت هذه الظاهرة عالمية، بمعنى أن ضررها يشمل كل أنحاء العالم بغض النظر عمن أسهم فيها أكثر من غيره، على طبيعة المعالجات أن تكون من نفس المستوى أيضاً. وهذا يعني أن كل الدول يفترض أن تدفع ضريبة الكربون، بشكل أو بآخر، وذلك بقدر إسهامها فيه مراكمة انبعاثاته، تاريخياً ومرحلياً. وهذا ما يمكن أن يفسّر مبدأ «المسؤولية المشتركة، ولكن المتباينة» بين الدول، الذي أُقرّ في الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ عام 1992.

 

كيف سيفي لبنان بالتزاماته إنتاج 30% طاقة متجددة بحلول 2030 من دون التراجع عن التنقيب عن النفط والغاز!

 

ومن المهمّ أن تكون الضريبة شاملة وعالمية أيضاً، كي لا يتمكّن أصحاب الثروات من التهرب منها بالخروج من بلد إلى آخر. فقد أُقرّ في مؤتمرات المناخ أن يتم تجميع قسم من هذه الضرائب في صندوق المناخ (الفارغ حتى الآن)، للمساعدة في التخفيف من الانبعاثات والتكيّف مع ظاهرة تغير المناخ، بمعنى تمويل إجراءات الحماية والتعويض عن الأضرار التي ستنجم حتماً عن الكوارث المناخية (كالفيضانات وذوبان الجليد وارتفاع منسوب البحار ونقص الغذاء وزيادة الأمراض… إلخ). لكن شيئاً من ذلك لم يحصل بعد، رغم انعقاد 24 اجتماعاً دولياً للدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ منذ عام 1992…الخ

 

المطالبة بالعطل والضرر

على الحكومة الجديدة ووزارة البيئة اذا أن تعدّا العدة للمطالبة بالعطل والضرر على المستوى الدولي والمحلي معاً، ضمن قواعد محددة. كما أن على هذه الحكومة أن تجيب على سؤال: هل «التمويل» المطلوب هو من أجل التكيّف مع تغير المناخ، أم من أجل التكيف مع العيش من دون نفط، أو من دون كل هذا النفط ومشتقاته؟ إذ تؤكد التقارير الدولية أنه لتثبيت حرارة الأرض والحؤول دون ارتفاعها أكثر من درجتين، علينا أن نترك أكثر من 80% من الوقود الأحفوري تحت الأرض ونتوقف فوراً عن التنقيب.

 

تعهدات شكلية

كيف سيتعامل بلد مثل لبنان مع هذه المعطيات، بعدما قدم مساهمته المحددة وطنياً ضمن إطار اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ عام 2015 (يفترض أن يبدأ تطبيقها عام 2020)، وبعدما تعهد من خلال خطة العمل الوطنية للطاقة المتجددة (2016 – 2020) الوصول إلى هدف إنتاج 12% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول 2020، وهي النسبة التي سبق أن التزم بها في ورقة سياسة قطاع الطاقة عام 2010، قبل أن تتعهّد وزارة الطاقة (وتبنّى ذلك رئيس الحكومة سعد الحريري في منتدى الطاقة في بيروت عام 2018) إنتاج 30% طاقة متجددة بحلول عام 2030… كل ذلك، من دون التراجع عن خيار التنقيب عن النفط والغ

 

ضريبة الكربون

للحديث عن ضريبة كربون عادلة، علينا أن نعرف ماذا نريد أولاً، وأي استراتيجيات وسياسات للطاقة سنعتمد، وأن نخرج من المزايدات غير المرتبطة بالواقع، والتي تجعل من خطاباتنا وسياساتنا متناقضة ومتضاربة وفي حالة تخبّط دائم.

ولكي تكون الضريبة عادلة أيضاً، علينا تحديد السعر الحقيقي للمنتجات، لأن ما يحدد هذا السعر، بعد اعتماد ضريبة الكربون، لن يعود السوق واقتصاده، بل دورة حياة كل منتج، وما يتطلبه من مواد أولية، وما إذا كانت هذه المواد ناضبة أم لا، وكيفية استخراجها وآثارها وكيفية التصنيع ومتطلباته من طاقة ومياه، إضافة إلى طرق الاستخدام وطرق التخلص الآمن بعد الاستخدام… إلخ.

ضمن هذا الإطار لم تعد مشكلة العدالة المناخية مرتبطة بمدى تأمينها لأسس العدالة الاجتماعية فقط، بل بمدى تحقيقها لمتطلبات العدالة الأشمل التي تحافظ على ديمومة الموارد وعلى حقوق الأجيال القادمة أيضاً.

انطلاقاً من كل هذه المبادئ والإشكاليات، على الحكومة الجديدة، لا سيما وزير البيئة الجديد، أن تتحضّر لإعداد الاستراتيجيات اللازمة ومشاريع القوانين لترجمة مبادئ العدالة المناخية التي لا مفرّ من فتح بابها المغلق حتى الآن ومناقشتها على أوسع نطاق، استباقاً للكوارث المناخية المقبلة، وكيفية التكيف معها، وتحديد الجهات الدولية والمحلية التي ستتحمل دفع أكلاف معالجة أضرارها الكبيرة.

 

 

بصمة الكربون للمنتجات

تبحث منظمة المواصفات العالمية (ISO) اصدار مواصفة جديدة تحمل اسم «بصمة الكربون للمنتجات»، اي قياس آثار الانبعاثات التي تنتج من انتاج السلع والتي تتسبب بتغير المناخ. وتقترح بعض الدول المتقدمة ادخال ملصق بيئي جديد باسم «بصمة الكربون» تلصق على كل منتج تطبيقا للمبدأ العالمي الذي اقر في قمة ريو العام 1992 «الملوث يدفع». يأتي هذا الملصق من ضمن الملصقات المتداولة مؤخرا تحت عنوان «الجودة البيئية». والهدف من وضعه ان يترك للمستهلك حرية ان يختار بعد ان يعرف البصمة البيئية الاقل بين المنتجات والضريبة التي يفترض دفعها.

تحسب بصمة المنتج في دورة حياته كلها التي تمتد من مرحلة الاستخراج (المواد الخام اللازمة للانتاج) حتى مرحلة التصنيع والاستخدام والمعالجة والتخلص النهائي بعد الاستخدام. لكن هذه المواصفة تواجه مشاكل عدة، بينها ان تصبح مقبولة على مستوى عالمي وان لا تتحول الى نوع من الحواجز الجمركية بين بلدان متقدمة واخرى نامية لن تستطيع ان تستوفي شروطها. بالاضافة الى مشكلة كيفية احتسابها كضريبة. كما ان هذه المواصفة تتناول جانبا واحدا من الاثر البيئي هو الكربون والتغير المناخي، ولا تشمل الاثر على التنوع البيولوجي وتلوث المياه والتربة.