Site icon IMLebanon

المسؤولية ضائعة في لبنان… الرجاء ممّن يعرف عنها شيئاً

 

لا فيّاض ولا حميّه “المعتّر” يتحمّلان “فورة النهر”

 

 

مسؤولون غير مسؤولين! نحن نتكلم عن هؤلاء الذين يلهثون كي يستلموا مسؤولية وحين ينجحون في الوصول يضعون قدماً فوق قدم ويستريحون. المسؤولية «يا عالم يا هو» هي حالة أخلاقية في البدء، والتزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أو عملاً، وبإصلاح الخطأ الواقع طبقاً لقانون. لكن، للأسف نحن في مزرعة مفتوحة على حفنة جبناء يُمسكون برقابِ الناس ويشدون وحين تقع مأساة يهرعون يميناً ويساراً، يرمون مسؤولياتهم كما الطابة في ملعبٍ غاب عنه الحكم، معتبرين أن ما حصل قد حصل و… نقطة على السطر! ألم نقل: إنهم جبناء؟

خمسة عشر يوماً مضت على طوفان نهر بيروت. المواطنون سبحوا في مياه المجارير ساعات واختفت مركبات الكثيرين تحت المياه التي تدفقت فجأة، في لحظات، من مجرى النهر الى الطرقات والشوارع المحيطة في منطقة الكرنتينا. هي كارثة سقط فيها الناس الذين ما زالوا يؤمنون بجدوى البقاء في وطنٍ ولو مشلّع. هم أناسٌ تقاذفتهم المياه كثيراً قبل أن يعوا ماذا حصل. جو، أحد هؤلاء، كان ماراً بالصدفة. وبدأ منسوب المياه يرتفع ويرتفع الى أن غمره بالكامل في لحظات. قفز من سيارته وراح يساعد ركاب بقية السيارات التي كان مصيرهم مثل مصيره. أمهات مذعورات وأطفال مذعورون. المطر نعمة لكن ما حصل يومها كان فساداً كبيراً من مسؤولين لا يعرفون من الصفة إلا الجاه والمنصب. وحدهم عناصر الدفاع المدني والجيش اللبناني والمخابرات هرعوا الى المكان – بنخوتهم هرعوا- أما المسؤولون فراحوا يرمون بما حصل على… أحوال الطقس، وعلى عدم تعزيل وتنظيف مجرى النهر. وزير الأشغال العامة والنقل يقول: هذا من مسؤولية وزارة الطاقة والمياه. ووزير الطاقة والمياه غارق في أحلامه.

 

كثيرون نسوا هذه الحادثة في بلد يعيش على المآسي اليومية. النسيان آفة في بلادنا. المسؤولون- أو من يعتبرون انفسهم مسؤولين – يراهنون أننا سنعتاد ثم ننسى ثم نصبح بخير على قاعدة: النسيان أخو الإنسان. لكن، مهلاً، نسيان الحقّ خيانة.

 

لم ير المواطنون – أصحاب الحظ السيئ – في تلك الليلة من يسأل عنهم. وطلع النهار على عشرات المركبات التي باتت خردة غير قابلة مجدداً للحياة. إتصلنا بمحمد خير، رئيس الهيئة العليا للإغاثة: فأين كان ليلتها؟ وما مصير خربان البيوت والمركبات؟ أجاب: «لا شيء بعد في الموضوع الى حين يلتئم مجلس الوزراء ويقرر». مرّت الأيام. العطلة بين عيدي الميلاد ورأس السنة طويلة. والهيئة لديها أمور كثيرة أخرى تشغلها والمواطنون وجدوا أنفسهم لحالهم. فهل يلعنون حظهم ويكملون حياتهم بشكلٍ عادي؟ يجيب خير: «هناك بوالص تأمين تعوّض في مثل هذه الحالات». هو قال ما قال. وفهمنا مما قال أن الأمر إنتهى هنا. فهو أكثر العارفين أن شركات التأمين تتلاعب بالمواطنين كما «هيئات البلد». فما تبيّن ان السيارات التي لديها بوالص تأمين «توريسك» تهربت ثلاثة أرباع شركاتها – كي لا نقول جميعها – من نتائج الكارثة. فليس أشطر من شركات التأمين في الإحتيال على المواطنين إلا شطارة المسؤولين في هذه المزرعة.

 

بالسيارة ومش بأصحابها. هكذا حاول الناس إقناع أنفسهم، على أمل أن يأتيهم التعويض – ذات يوم – من السماء. من المفيد أحياناً نسيان ما نعرف.

 

وقبل أن يستيقظ الناس من كبوة فيضان النهر الذي رفع كل المسؤولين في العاصمة يدهم منه، أتت حادثة التلفريك. ومن جديد علق الناس لكن هذه المرة في الهواء. هو عطل ميكانيكي أدى الى إصطدام مقصورتين وتوقف حركة الرحلات وفيها أكثر من أربعين شخصاً. لكن، ماذا عن معايير السلامة العامة المتبعة في المؤسسات السياحية ذات الأخطار المحتملة في لبنان؟ سؤالٌ من حقّ الناس طرحه. الجميع رفعوا أيديهم مما حصل. وراهنوا من جديد على آفة النسيان. نحن ننسى فساداً ونسقط في فسادٍ متمادٍ. فأيّ بلدٍ هذا نعيش فيه؟ وأي مسؤولون عنا لا يفقهون من المسؤولية شيئاً.

 

موجود في كل مكان

 

أين وزير الطاقة؟ سيرة الوزير «الورقية» طويلة عريضة لكننا لم نر منه «واقعياً» إلا إستسلاماً فاضحاً. الحق ليس عليه وحده؟ بلى، إنها مسؤوليته ومسؤولية كل من ارتضى تحمل المسؤولية وهو منها براء. حكى فيّاض أن «لا الأستاذ علي حميّه «المعتّر» ولا هو يتحملان المسؤولية. من خالف عند تخوم النهر يتحمل المسؤولية والأمور لا تحتاج الى تبصير. فليتحمل كل واحد مسؤوليته والناس مسؤولون والإعلام مسؤول». إذاً، نحن المسؤولون على ما بدا معه في الآخر. أين اللواء محمد خير؟ الرجل ينعي أكثر منا. رأيناه متفقداً يوم سقط المبنى على من فيه في المنصورية. وصل هادئاً. ورأيناه يوم حصل الحريق في الناعمة متفقداً. ورأيناه منذ يومين في الضاحية متفقداً معلقاً: «الله يرحم الشهداء وانشالله تكون خاتمة الأحزان وننتقل الى مرحلة التعافي. كلفني رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الكشف والتأكيد على الأضرار وملاحقة الأمور بسرعة. نحن نحصي الأضرار وسنخرج بتقرير من مجلس الوزراء». لكن من سيعوض؟ أجاب: «نحن لدينا خطط دائماً». قال اللواء محمد خير ما قال ونجيبه: عفواً لكننا لا نصدقكم.

 

شاهدنا اللواء خير أيضاً متفقداً الأضرار التي تعرضت لها البيوت البلاستيكية في طاريا وشمسطار. ورأيناه يوم تتالت الهزات

 

– وهزات البدن – للإبلاغ عن التصدعات في المباني. وانتهى الأمر أيضا عند هذا الحدّ.

 

ماذا في المرفأ

 

الكوارث المتتالية كثيرة. والحقّ ليس على الطليان طبعا. فها هو النائب السابق الجنرال شامل روكز مثلا يخبرنا عن سؤال طرحه عن مرفأ بيروت. يقول: «الشخص الكفوء يُستبعد وهذا ما يخلق عدم الإستقرار والمشاكل» ويستطرد: «من هو المسؤول عن مرفأ بيروت؟ هل تعرفين؟ لا أحد. هناك لجنة مؤقتة لمرفأ بيروت ليست مسؤولة عن شيء وكل مهامها السمسرة و»التفنكات». لا يتعاطى التفتيش المركزي ولا ديوان المحاسبة ولا وزارة المال مع اللجنة المؤقتة في مرفأ بيروت. هي لحالها. وانا اكتشفت ذلك بالصدفة حين اتوا لردم الحوض الرابع في المرفأ ووضع كونتينر. سألنا كيف يمشي مرفأ بيروت فاكتشفنا أن لا أحد يعرف شيئاً. لا يعطون الدولة فرنكاً بحجة أنهم يستصلحون المرفأ. وبالتالي إذا وقعت مشكلة سيتنصل منها الجميع».

 

وما يدور في المرفأ ينسحب في أكثر من مكان ومؤسسة.

 

في المبدأ،لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، لكن، ما يحصل لدينا انهم يكلفون أشخاصاً بما لا يستطيعون. ونحن من ندفع الثمن. سنوياً، تحدث الكوارث – وينذروننا من كوارث محدقة – ولا يفعلون شيئاً. لدينا في المجلس النيابي الموقر 128 عضواً لهم حقّ طرح الأسئلة والإستجواب. يحقّ لهؤلاء توجيه إستجواب الى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء لمحاسبتهم في أي شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم. ويمكن لهؤلاء سحب الثقة من خلال إقتراح يقدم من عشر عدد الأعضاء على الأقل. فهل سمعتم بربكم عن سحب ثقة واستبعاد أحد الوزراء؟ إنها الغابة التي نعيش فيها التي هُندست لمصلحة الفاسدين لا المواطنين. فعلى من نتكل غير الله.

 

هل تتذكرون مبنى فسوح الذي تهاوى في لحظات بما حوى العام 2012؟ سبعة وعشرون ضحية سقطت يومها. صوَر وبكاء وعويل واتهامات الى أن عاد وخمد الحادث في الذاكرة وأصبح كما كتب التاريخ في لبنان «وجهة نظر». يومها ألقيت تبعات الحادثة على ملف ساخن – شبه مستديم- ركنه الأول: المالك القديم وركنه الآخر: المستأجر القديم. وركنه الثالث: أذن الدولة المثقوبة الفاسدة.

 

بصدقٍ، نشعر بأننا نتحدث ونكتب «على الفاضي». وكل ما نمرّ به من أحداث ينتهي بعبارة: بالرزق ومش بأصحابو. نعلّل النفس بذلك، لكننا لم ننس ذلك الشاب الذي وقف عند أطلال ما تبقى من مبنى المنصورية، الذي سقط على من فيه، وهو يصرخ: كل ما أملك في هذه الدنيا هنا. فهل يمكن لأحد أن يربت على كتفيّ هذا الشاب ويقول له: الأهم أنك بقيت حياً!

 

فجروا المرفأ والعاصمة وخرجوا جميعاً من الجريمة «أنقياء» في الشكل. سرقوا أموال الناس تحت عين الشمس وخرجوا من الجريمة «أطهاراً». وفي كلّ ذلك، لا مسؤول إلا المواطن الذي صدّق أنه في وطن.

 

الله ينجينا من الأعظم. الهيئة العليا للإغاثة في لبنان تنتظر القرار من مجلس الوزراء. ومجلس الوزراء ينتظر السترة. وهيئة إدارة الكوارث تنتظر – منذ أكثر من عقدين – عند قارعة الأولويات و»مش وقتا» و»اختلاف وجهات النظر» و»تقاسم الحصص وتضارب المصالح».

 

يبقى أنه في بلاد الناس كلها تحصل كوارث لكن، هناك، في تلك البلاد، توجد إدارة للكوارث تنطلق من أربع ركائز: التحضّر، الإستعداد، الإستجابة والتعافي. نحن في لبنان سمعنا البارحة رئيس الهيئة العليا للإغاثة يتحدث عن التعافي من دون التوقف عند الشروط التي تسبق هذه الحالة من تحضّر واستعداد واستجابة. نصيبنا؟ نصيبنا أننا ولدنا في بلدٍ يلقون فيه تهمة فسادهم وفشلهم على كل الآخرين «فالنهر فاض ومادة النيترات في المرفأ إنفجرت والمباني مخلخلة والأمطار هطلت بغزارة». فلنقاضِ النهر والنيترات والمطر والحجر في بلادٍ تحكمها حجارة.