منذ الإعلان عن وقف النار، بين إسرائيل ولبنان، وكرة الثلج تتدحرج، وهي كما نراها، تكبر يوما بعد يوم. فالأطراف الثلاثة التي تعنيهم هي: أميركا وإسرائيل ولبنان، كل له أغراضه من الحرب، ومن وقف الحرب، ومن شروط إستراحة زمنية في الجبهة، لتفعيل المواقف، وأخذ المبادرة وإستئناف المفاوضات، لا على الشروط السابقة، بل على ما إستجد بعد ورقة وقف الحرب، في الجنوب اللبناني، وفي شمال الكيان الإسرائيلي، على حد سواء.
فإسرائيل، لم تعد تعنيها ورقة وقف الأعمال العدائية، ولا ما يقع تحتها من بنود. فقد أظهرت الفترة الممتدة منذ ذلك الوقت، أنها صاحبة برنامج توسّعي إمبراطوري، وأنها لا تنظر إلى لبنان، إلّا من هذه الزاوية، وأنها بالتالي، لا تهمّها الإتفاقيات، ولا الدول المشاركة فيها، لأن مخططاتها أوسع من ورقة كتبت ذات صيف، وأسقطتها ذات خريف، وبنت على الشيء مقتضاه لصالحها.
تتوسّع إسرائيل في حروبها، حتى يكاد الإقليم كله يضيق بها. نسجت وحدة الساحات، وإنصرفت بعد ذلك لمحاسبتها، على قاعدة من المثل القديم: «يداك أوكتا وفوك نفخ»، وها هي تسقط المناطق في الإقليم: واحدة بعد واحدة، وكأنها «الدولة العلية». صارت تنظر إلى ورقة وقف النار، وكأنها ورقة منسية. ذبلت كل بنودها، ولم تعد تستحق ما فيها. وصار «البيبي» رئيس حكومتها، يعتلي المنابر اليومية، ولا تستطيع هذة المنابر، أن تحصي له كل «الطموحات الشمشونية»، فمرة يريد سوريا كلها، ولم يعد الجولان يكفيه ولا السويداء ولا حوران، ولا بلاد الشام بأمها وأبيها، ومرة يريد الأردن قبل الضفة وقبل غزة، ومرة يريد مصر والنيل والسودان، حتى يقيم الإمبراطورية اليهودية العصرية.
أما الولايات المتحدة، فصارت تتحدث، بعد شهرين من زيارات توم باراك، عن المشاريع الصناعية في الجنوب اللبناني، وعن المشاريع الاستثمارية في غزة، وصار زيتون أرض الجنوب، إلى التشهير به، لأنه «يعيد الشعب إلى العصر الرعوي والعصر الزراعي»، وهي تريد أن تنهض به إلى العصر الجديد، عصر الاستثمارات وشراء العقارات من أهلها، في غزة وفي الجنوب، وفي سوريا، وحيثما وقعت أياديها.
أيقظتها حرب السابع من أكتوبر، كما حرب الإسناد، على وحدة الساحات، تريدها كلها. وهي تقبل أن تأخذها بالتقسيط: قطعة قطعة. فلم يعد هناك من يعترض، ولا من يجرؤ على الإعتراض، ولا من يقف ليقول «لا» في وجهها. وصارت تنظر إلى الشرق الأوسط، وهو على صورته البائسة، على أنه من ممتلكاتها المقبلة، حيث العقارات، وحيث الاستثمارات، وحيث النفط على شواطئ المتوسط، والذي ظهر في «الأشرطة السينمائية».
أما لبنان، فهو رهين المحبسين: إسرائيل وإيران. ليس بيده حل للمعضلات الكبرى:
١- حصرية السلاح بيد الدولة.
٢- ونزعه من يد القوى غير الشرعية.
كل يوم يمضي على ورقة وقف النار، يقوى الفجور السياسي، ويقوى الفجور العسكري، حتى صار الجنوب كله، أرضا مستباحة، وصرنا أمام الثعلب الذي يريد أن يقسم الجبنة لخصمين، حتى صار ينادي بالفم الملآن: «ولا جنوب بالمرة»…
الحل ليس سهلا، بين لبنان وإسرائيل، خصوصا بعدما صارت سوريا، شريكا في الحلول اللبنانية – الإسرائيلية القادمة. فمرة «تهب» إسرائيل لسوريا، مزارع شبعا. ومرة تهبها طرابلس الشام. ومرة يلوّح توم باراك، بإن لبنان ربما أقتضت الظروف، لأن يعود إلى بلاد الشام. فكيف يطمئن اللبنانيون، إلى كل هذه الطروحات التي إستجدت بعد ورقة وقف النار، والعشائر على الحدود تلوّح براياتها، وتهز بإعقاب بنادقها، وتصوّب فوهاتها.
نعم لم يعد سلاح المقاومة الفلسطينية ولا سلاح المقاومة الإسلامية، نافعا أصحابه. ولكن الأخطر منه، تصريحات المحكمين بنا.
جهل مزدوج، يحيط باللبنانيين، أم تجهيل الحقائق والترويج لها، لم يعد الحل قريبا، ولم يعد مستعجلا، ولم يعد على نار حامية، فهو جزء من معادلة أميركية – إسرائيلية – إيرانية، ليس فيها شيء من شروط اللبننة، ولهذا فإن الحل يحتاج إلى وقت طويل، لأنه في الأصل، هو من الأفلام الأميركية الطويلة.
* أستاذ في الجامعة اللبنانية
