كثيرة هي الانهيارات السياسية والامنية والحربية والصحية والاقتصادية الاجتماعية على مستوى المنطقة والعالم، مما يجعل من النخب المحلية والاقليمية تعيش حالة من التضخم الذاتي والاستغراق في الفرضيات والتوقعات، ومنهم من ينتظر بفارغ الصبر الحرب في المنطقة بين اميركا واسرائيل وايران، وزعماء الطوائف عادوا الى سلاحهم ورهاناتهم ويتوقعون وقوع حرب اسرائيلية على لبنان تشبه عام ٨٢ خلال الايام القادمة، والبعض الاخر ينتظر اغتيالات تستهدف كل خصومه او حلفائه على حد سواء ليستعيدوا الامجاد التي حصدوها من اغتيال رفيق الحريري وكل الاغتيالات في لبنان.
يذهب البعض ابعد من لبنان والمنطقة الى الحديث عن نهاية اميركا و طرح المسألة الاميركية بما هي الرجل المريض المصاب بالديموقراطية حيث شارك ١٥٠ مليون ناخب في انتخابات الرئاسة يمثلون كل عناصر التكون البشري من حيث اللون والعرق والديني والقومي والفكري واليمين واليسار والعلماني والنازي والتنوع الثقافي واللغوي، مما يجعل من العالم المعاصر نتيجة طبيعية لسفينة نوح الاميركية الوجودية الحديثة المرئية والمسموعة والملموسة، ويعتقد اصحاب نظرية المسألة الاميركية في لبنان والمنطقة بان النموذج الأبقى والأسلم هو الابتعاد عن الحريات والبدع الديموقراطية، وإيهام الناس البسطاء بان الحريات السياسية الفردية والعامة شر مطلق والامان لا يكون الا بسياسة القطعان الطائفية والمذهبية بعيدا عن وباء الديموقراطية.
هناك في لبنان من يغني مواويله على ايقاعات العودة الى ايام الوصاية السورية وشعار شعب واحد في دولتين ووحدة المسار والمصير ويراهنون على ما ستؤول اليه الامور في سوريا لجهة التقسيمات الفيدرالية على اساس طائفي او مذهبي استكمالا للعملية الفدرالية العراقية التي أكدت الخصوصية الكردية وفشلت بين السنة والشيعة وبالتزامن مع الترويج للفيدرالية الاسرائيلية الفلسطينية والاردنية، وموجة الفيدرالية اللبنانية تأتي نتيجة خوف امراء الطوائف من امكانية إعادة تشكيل قوى مدنية جديدة غير طائفية وقادرة على قيادة التجربة الوطنية اللبنانية الحقيقية.
هناك مجموعات من الاحزاب القديمة تراهن على كل تلك الاحتمالات بعد ان تجرعت مرارات سقوط جدار برلين، وانهيار منظومة الدول الاشتراكية التي شكلت صدمة لعدد كبير من نخب الاحزاب الايديولوجية الوطنية والاقليمية التي تموضعت على يمين ويسار الجمهوريات العسكرية الانقلابية وشعاراتها الوحدوية والاشتراكية، وتحاول نخب تلك الاحزاب اعادة تجديد تجاربها الحزبية رغم تصدعها وانقساماتها وتورطها في النزعات الدموية المجتمعية، وتعتقد تلك النخب ان كل التحولات الفوضوية التي تسود المنطقة غير قادرة على توليد نموذج بديل عن الاحزاب العقائدية.
تتصرف المجموعات ذات العمق الاقليمي الاسلامي الايراني او التركي كونها فوق الشراكة الوطنية وتتعامل مع كل التحولات والتطورات على قاعدة انها ستعود بالنفع عليها فقط مستندة الى قوة عمقها الاقليمي، مع تمايز واضح بين مفهوم القوة لدى الإسلاميين الايرانيين الذين يعتبرون ان قوتهم تقوم على امتلاكهم السلاح والتنظيم العسكري والايديولوجي القوي، بالاضافة الى مجاهرتهم بقوتهم المالية امام فقر الجهات الهشة في مواجهتهم، ويعتقد الاسلاميون الاتراك بان لديهم تنظيم وعديد وانتشار اكثري في الدول العربية والاسلامية والغربية.
باختصار لبنان يعيش ساعات حرجة ومقلقة وشديدة الخطورة ومحاصر بالكثير من الهواجس والمخاطر والتحديات والامراض والخيانات والاحقاد وانعدام المسؤولية والتعصب الطائفي والمذهبي والمشاريع الذاتية والتقسيمية بالاضافة الى الفساد والرهانات الحمقاء والرغبة بتجديد الوصايات الخارجية بكل الاتجاهات، ومع تفشي وباء الهلوسات السياسية والعسكرية والمليشياوية ومع جنون كبار لبنان لم يبق امام قيادة الجيش اللبناني بالذات سوى حماية اطفال الوحدة الوطنية في لبنان.