Site icon IMLebanon

السلاح: أين جرأة الدولة وشجاعة حزب الله ..؟

 

منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 2000، شكّل سلاح حزب الله بالأمس، نقطة ارتكاز في معادلة التحرير والمقاومة، حيث استطاع أن يفرض واقعًا جديدًا في ميزان الردع مع العدو، ويكرّس نفسه لاعبًا أساسياً في المشهد الوطني والإقليمي. وقد حاز هذا السلاح في تلك المرحلة شرعية شعبية واسعة، لما مثّله من أداة لتحرير الأرض وحماية الحدود.

غير أن الظروف اليوم تغيّرت. فبعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من معظم الأراضي اللبنانية، وسقوط الذرائع الجغرافية لاستمرار العمل المقاوم، تحوّل السلاح تدريجيًا من رصيد وطني جامع إلى عبء داخلي مثير للانقسام. ولم يعد دوره واضحًا في ظل الاستقرار على الجبهة الجنوبية، فيما أُقحم لاحقًا في صراعات إقليمية، من سوريا إلى اليمن، ما جعل الحزب في مواجهة مع جزء كبير من الداخل اللبناني، وأوقع البلاد تحت طائلة العقوبات والعزلة السياسية والمالية، بسبب الخروج عن قاعدة النأي بالنفس، التي أجمعت عليها بقية الأطراف اللبنانية.

لقد بات سلاح حزب الله في صلب المواجهة بين من يراه ضرورة استراتيجية كما بالأمس، ومن يعتبره عائقًا أمام استعادة الدولة لدورها وهيبتها اليوم وغداً. كما تحوّل إلى مصدر قلق حتى داخل البيئة الحاضنة، التي أنهكتها الأزمات، وتضررت من الكلفة الاقتصادية والسياسية للحروب، وخاصة الحرب الأخيرة، التي كانت الأشد تدميراً، والأقسى بالخسارة البشرية، حيث أصابت مباشرة قيادات سياسية وعسكرية من الصف الأول: الأمين العام التاريخي حسن نصرالله وخلَفِه السيد هاشم صفي الدين، والمسؤول العسكري الأول فؤاد شكر وعشرات من القادة البارزين.

إن فتح ملف السلاح ليس دعوة إلى التصادم، بل هو مدخل لحوار وطني مسؤول حول مستقبل الدولة، وما يتطلبه من أمن وإستقرار، لتحقيق الإزدهار الذي يصبو إليه اللبنانيون بعد طول معاناة من الحروب والأزمات.  والسبيل إلى ذلك لا يكون من خلال الضغوط وحدها، بل عبر اعتماد خطوات متفق عليها ومتزامنة: تبدأ بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لما تبقّى من أراضٍ لبنانية بدءاً من النقاط الخمس، وصولا إلى خط الهدنة المعتمد منذ أيار ١٩٤٩، والمعترف به دولياً، بعيداً عن النقاش السفسطائي حول هوية مزارع شبعا، وتتزامن مع انتقال منظم ومدروس للسلاح إلى كنف الدولة ومؤسساتها، ضمن تفاهم داخلي يراعي الهواجس، ويؤسس لوضع استراتيجي جديد لا يُقصي أحدًا، لكنه يُعيد تنظيم دور الجميع تحت مظلة شرعية واحدة، وتستعيد من خلاله الدولة قرار الحرب والسلم، على إعتبار أن ماكان سلاحاً للتحرير، لا يجب أن يتحول إلى عبء على الدولة والشعب والمقاومة.

وأثبتت الأشهر القليلة الماضية، أن سياسة العناد والإنكار لا تجدي نفعاً في تخفيف الأعباء والمعاناة المرهقة للبلد عامة، وللبيئة حاضنة السلاح خاصة، لأن واقعية الأمور المتردية، وما آلت إليه الأوضاع العامة للبلاد والعباد، بعد الحرب المدمرة الأخيرة، تتطلب رؤية تُخرج لبنان من دوامة التخبط الحالي، وما يرافقها من عزلة عربية ودولية، إقتصادية ومالية، حتى تستطيع الدولة النهوض بالمسؤوليات الجسام التي تتحملها في خضم الإنهيارات المتراكمة، والتي ضاعفت من تداعياتها الوطنية والإجتماعية نتائج حرب العام الماضي، وتأخر إطلاق ورشة إعادة الإعمار.

أما محاولات ربط حوار السلاح في الداخل اللبناني مع عودة الحوار الأميركي ــ الإيراني وما سيسفر عنه من نتائج، فهي عودة إلى الوراء، وتأكيد من جديد بأن سلاح الحزب قرار إقليمي، وإيراني بالذات، وبالتالي لا فائدة من الحوار أو الإنتظار، لمعالجة هذا الملف داخلياً، وبالتي هي أحسن.

إن حوار السلاح بين الأمس والغد يجب أن ينطلق من الاعتراف بأن ما كان يُعدّ رصيدًا وطنياً، تحوّل اليوم إلى معضلة بنيوية تهدد وحدة القرار، وتعرقل مسار النهوض. وأن التطورات التكنولوجية المتسارعة وعدم التوازن في ميزان القوى مع العدو الإسرائيلي، قد قلبا قواعد اللعبة التي سادت بعد حرب تموز ٢٠٠٦.

الواقع إن الضغوط والمخاطر المحيطة بالبلد تفرض شجاعة في المقاربة من قبل قيادة حزب الله، ومزيد من جرأة في الطرح من قبل الدولة اللبنانية، للتوصل إلى صيغة حل تضع حداً لهذا الاستنزاف الوطني المزمن، وتنقذ البلاد والعباد قبل فوات الأوان، لأن السلاح الذي حرر الأرض لا يجوز أن يُبقي الوطن أسير القلق والضياع، ويبقى الشعب ضحية التسويف والهيمنة والتعطيل.