Site icon IMLebanon

الصراع على المواقع  وتحديات موقع لبنان

ليس في السياسة مواقف مجانية، بصرف النظر عن المثاليات والترفّع في الخطاب السياسي. ولا في المواقف من قانون الانتخاب ما يتعلق بالبناء التقني لصيغة القانون والبحث عن الصيغة الأفضل للبلد، وان كانت هناك استثناءات محدودة. فالسياسة صراع مصالح، سواء حدده ماركس بأنه صراع طبقي، أو اختصرته النازية ب صراع أعراق، أو أضافت اليه الامبريالية الصراع على النفوذ أو ركّزت الشعبوية الحالية في أميركا وأوروبا على كونه صراع هويات. والصراع، وخصوصا داخل البلدان، يدار بالتسويات أو بالصدام الذي يقود في النهاية الى تسوية. لكن الصراع الحالي في لبنان بالنسبة الى معركة قانون الانتخاب يدار بالهرب من التسوية والخوف من الصدام، بحيث ندور في الفراغ، ولو تجنّب أمراء الطوائف الوصول الى الفراغ النيابي.

ذلك ان الصراع على المواقع في السلطة هو من طبائع الأمور. وما دام كل الأطراف تقريبا في السلطة، فان الخلاف على قانون الانتخاب هو انعكاس للصراع بين القوى الأساسية، المخالفة والمختلفة، على أحجام المواقع في السلطة. وما يزيد الأمر تعقيدا وصعوبة هو ربط معركة القانون والانتخابات النيابية بحسابات معركتين: واحدة سوريالية، وأخرى تراجيدية. الأولى على مسافة ست سنوات كاستحقاق دستوري وقد تطول أكثر قياسا على تجارب الشغور الرئاسي وتطور الأحداث، هي معركة الرئاسة. والثانية جزء من حرب على مستوى الشرق الأوسط تديرها قوى اقليمية ودولية، هي معركة الجمهورية ومصيرها، وبالتالي معركة موقع لبنان على خارطة الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها.

ولا أحد يجهل ان موقع الجمهورية في اللعبة الجيوسياسية يتأثر بما يدور في حرب سوريا وحرب العراق وحرب اليمن، وصراع النفوذ الاقليمي بين ايران وتركيا واسرائيل على المسرح العربي، وادارة العلاقات الأميركية – الروسية، وطبيعة الحرب على الارهاب، والحملة الأميركية المتصاعدة على طهران وحزب الله. ولا أحد يعرف كيف تتبلور الصور في هذا المشهد الاقليمي المتغير، حيث التحول والقبول في مواقع الدول، ومعها موقع لبنان.

لكن الكل يرى كيف يتصرف فريق كأنه واثق من ان التطورات ستأتي لمصلحته وتدعم مشروعه، بحيث يريد قانون انتخاب يخدم هذا المشروع. وبالمقابل، فان ما يحرّك مواقف فريق آخر في الصراع على أحجام المواقع في السلطة هو الخوف من الآتي وبالتالي تحصين الموقع لئلا يذهب فرق عملة في المتغيرات. والسؤال أمام الجميع هو: هل نواجه التحديات منقسمين أم متفاهمين؟ ما الذي تضمنه المواقع في المجلس النيابي اذا دارت الدنيا بلبنان والمنطقة؟

الحد الأدنى من تحمّل المسؤوليات هو ان نعمل بالحكمة التقليدية القائلة: عند تغيير الدول إحفظ رأسك.