الإنسجام، التناغم والحوكمة: كلماتٌ تتعدّى القواميس والمعاجم لتُصبح ثوابت ومبادئ راسخة، بقدر ما هي منهجيّة وأسلوب أداء المؤسسات المثالي.
الإنسجام هو المجهود الجماعي الفاعل والفعّال لكل فريق عمل أو مجموعة تتوحّد في هيئة، أو جمعيّة أو مجلس. لا مجال للنجاح إذا لم يكن الإنسجام متوفراً في جوهر قناعات الجمعيّة، لأنّ التنافر كما التناحر، يُناقض الخير العام ويفرض السلبيّة والأنانيّة.
التناغم هو ثمرة التخطيط والإعداد المُسبق لبرنامج عمل يَنْتَظم أداء كل جمعيّة ماذا وإلا فمصيرها الإرتجال والتخبّط في محاولات يائسة لإدارة الأزمات المُستجدة أو للبقاء في حالة ركود وجمود.
أما الحوكمة، فهي روح كل جمعيّة وضمانة مصداقيتها. الشفافيّة أكثر من كلمة، وأصبحنا نُسرف في استعمالها مؤخراً، لكنّها عن حق، حتميّة وهي مسؤوليّة كبرى، من تجاوزها وقع حُكْماً في الخطأ والخطيئة.
بدأتُ هذا المقال وعن قصد، بهذه المبادئ الثوابت لكي أقول أنها المُهمة، لكنها ليست الأهم.
بالنسبة لي ومن عصارة تجربتي وقناعاتي وعملي في القطاع المصرفي، بقدر ما هي أيضاً محور انتمائي في كوني مجرّد مواطن يعتز ببلده رغم كلّ عيوب الأداء والنواقص في انسجامه وتناغمه وضعف حوكمته، إلا أنني اعتبر الأهم وأولى الأولويات، أن نُؤمِن ونمارس دوماً تداول السلطة ورفض الإستئثار واحتكار القرار.
لعلّها مهنتي كمصرفي هي المسؤولة عن هذه القناعة لديّ: فأنا مؤمنٌ بالحساب الجاري اكثر من حصريّة حساب التوفير المُجمَّد على رغم أهميّة هذا الأخير في حتميّة الإدخار وتوفير القرش الأبيض لليوم الأسود.
لكن الحساب الجاري هو كالدم في جسد الإنسان يجري في عروقه كي يمنحه الغذاء والنشاط والعافية، فالجمود نوعٌ من أنواع الموت الإرادي، الحساب الجاري هو دوران حركة الاقتصاد وخلق الوظائف وفرص العَمَل والحد من البطالة والنمو في الميزان التجاري، وهو دليل الطموح والإنجاز.
أنا اعترف بكوني أُغلِّب النمو على الفائدة، ولا ينمو إلا من كان حديثاً ومتجدداً وآتياً من مبدأ تداول السلطة واحترام حقوق الأجيال المتعاقبة وحق الشباب والشابات بأن يحتلوا مراكز لا يجوز مصادرتها أو امتلاكها.
هذه قناعاتي، وهي التي حفزتني الى مقاربة انتخابات جمعيّة المصارف على مبدأ احترامي الكامل والناجز لكافة الذين تعاقبوا على مراكز إدارة الجمعيّة وهم عن جدارة اكفياء ولكلّ منهم قصة نجاح يعتز بها الوطن، ويُساهم كل مصرف بدون استثناء وخاصة المصارف العريقة والراسخة في نجاحها بكونها محرّكات اساسيّة تدفع مجتمعنا وتبعد عن موظفيها شبح الحاجة وتمنحهم استقرار الوظيفة وامتياز الإنتاج ولذلك هي منارات نجاح ومصدر فخر لمجتمعها كما للوطن أجمع.
ليست قضّيتي الأشخاص ولا الشخصنة بل مبدأ تداول السلطة وإتاحة المجال للمستحق كي يثبت جدارته.
لا يَهُم من سيفوز ومن سيخسر ومن سيخرُق ومن سيُخرَق اليوم في انتخابات الجمعيّة… المهمّ الأَهم والذي لا يُخرَق ولا يغرق هو احترام مبدأ التنافس والمبادرة الى الخدمة والتدافع لخير مصلحة القطاع العامة وهو عن حق؛ الخط الدفاعي الأساسي في اقتصاد وطننا ونمو اقتصادنا، وتميّز هويّتنا الإنتاجية وتفوقنا في الخدمات المصرفيّة وارتقاء مستوانا الى الجودة العالميّة المُثلى…
هذا هو بالنسبة لي جوهر التنافس الإنتخابي في الجمعيّة؛ ومهما كانت محصلة النتائج اليوم، فالفائز الأول والأهم هو القطاع المصرفي لأنه يخرج فعلاً من فائدة الحساب الجامد او المجمد الى رحاب التنافس الجاري والصحي والذي ينظّم نبض القطاع ويضمن صحته وعافيته.
ان مَنْ سيفوز ويَستمر في ريادة الجمعية، يكونُ قد فاز بتداول السلطة وليس بالحساب المجمّد، ومَنْ يَخْسَر في الإنتخابات اليوم، سيفوز بفتح الحساب الجاري لانتخاباتٍ مقبلة.
بمجرّد أن التنافس قد حصل بأجواء حضاريّة تميّزت بالأخلاقيّة المهنيّة المحترفة والحضارية، كي اعتبر نفسي كما قطاعي، قد فاز وربح ويحق له الإحتفال.
أقول اليوم: مبروك لنا جميعاً، الخاسر قبل الرابح، لأنّ أجره كبير في كونه قَـبِـلَ الخسارة كي يربح القطاع نعمة تداول السلطة.
رئيس مجلس الإدارة – المدير العام
الإعتماد المصرفي ش.م.ل.
