Site icon IMLebanon

قراءة غربية لـ”عملية القنصلية”: “هدف مشروع” في “مقر محظور”؟!

 

على الرغم من مجموعة الترتيبات التي اتُخذت منذ ان تكشفت نتائج الغارة على القنصلية الإيرانية في دمشق، عبّرت مراجع ديبلوماسية غربية عن تشكيكها بما قد يترتب على قصف «مقر ديبلوماسي»، عندما تكون عملية «امنية ـ مخابراتية» شكّلت تتمة لمسلسل الاغتيالات التي تلاحق نظراء ضحاياها من المستشارين العسكريين بالمفرق أينما انتشروا في سوريا. فكيف إن اجتمعوا للحظات تحولوا خلالها هدفاً عسكرياً «مشروعاً» في مقر «محظور». وعليه كيف يمكن ترجمة هذه المعادلة؟

على هذه الخلفيات تحدثت التقارير الديبلوماسية والمخابراتية التي وصلت الى بيروت من اكثر من عاصمة غربية، عن انّها «عملية مخابراتية دقيقة»، لم تستحق تلبية دعوة عاجلة من طهران وموسكو الى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي للبحث في ما تسبّبت به من «خرق للقوانين الدولية» و«اتفاقية فيينا» الخاصة بحماية الجهاز الديبلوماسي. في وقت انصرفت حكومات معظم الدول الاوروبية وواشنطن في خطوة غير مسبوقة، للتعبير عن «غضبها» من العملية التي استهدفت إحدى فرق الإغاثة في غزة، فقتلت 7 من موظفي «المطبخ المركزي العالمي» بطريقة لا تتساوى مع اغتيال 7 قادة ومستشارين إيرانيين في مقر قنصليتهم في دمشق ومعهم 6 مواطنين سوريين، بفارق ساعات قليلة بين العمليتين، لا في شكلها ولا في مضمونها ولا في أهدافها.

 

وفي الوقت الذي تجاهلت معظم الدول ما جرى في دمشق مكتفية بالدعوة الى ضبط النفس ومنع التصعيد، كشف المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي أنّ بلاده «غاضبة» من القصف الجوي الإسرائيلي لفريق الإغاثة المكون من مجموعة متطوعين غربيين، ليشارك بهذه الطريقة حكومات اخرى اوروبية وغربية من بينها اسبانيا – في اعتبارها الدولة المؤسسة للمنظمة المستهدفة – من اجل التحقيق في «الجريمة الإنسانية» وانضمّت اليها بريطانيا، عبر موقف لوزير خارجيتها ديفيد كاميرون ومعه نظيره الأسترالي، اللذين طلبا من إسرائيل «تحقيقاً فورياً وشفافاً» لا يرقى اليه اي شك حول النية باستهدافهم عن سابق تصور وتصميم، ما ادّى الى مقتل متطوعين بريطانيين واستراليين من الفريق عينه. ذلك انّ التوضيح الاسرائيلي المتأخّر الذي اقترب من ان يكون «اعتذاراً» لم يكن كافياً لتبرير الخطأ «غير المقصود» كما قال الجيش الاسرائيلي.

 

وفي النظر الى مجموعة المواقف المتفرقة من الحدثين في دمشق وغزة، فقد أوحت بمعظمها بوجود هوة عميقة في قراءتهما. وقد عبّرت المواقف بمجملها عن «التفرقة الفاضحة» في النظرة الى نوعية العمليات العسكرية والامنية التي أُدرجت تحتها كل منهما. ففي الوقت الذي لم تبادر اي دولة من غير دول «محور الممانعة» الى التعاطي مع مجزرة «القنصلية الايرانية» سوى بعبارات الإدانة الديبلوماسية المنمّقة، راح بعضهم الى التعبير عن تفهمّه لما جرى، الى حدّ تبريرها في شكلها وتوقيتها وما انتهت اليه، طالما انّها استهدفت كوادر عسكرية وامنية في عزّ الحرب المفتوحة بين تل أبيب وطهران على ساحات مختلفة، بعدما كانت اراضيها مسرحاً للبعض منها. وهو ما اعطى عملية دمشق ابعاداً امنية عسكرية ومخابراتية مشروعة، في مثل ظروف الحرب الدائرة في المنطقة، فيما لم تتفهم التبرؤ الاسرائيلي من مجزرة «المطبخ الدولي»، بعدما عدّ انّه غير واقعي ولا يمكن الأخذ به في ظل استهدافها لفرق الاغاثة المختلفة والتعرّض للمدنيين في ما سُمّي «مجازر الطحين»، بعدما ضربت عن قصد مراكز الإيواء التابعة لـ«الاونروا» ومدارسها وتلك التابعة لعدد من المنظمات الاممية، عدا عن اقتحام وتدمير المراكز والمؤسسات الطبية والدينية والتربوية وحصاد آلاف الضحايا بين المرضى والأطفال المدنيين.

 

إلى هذه الخلفيات أشارت التقارير الديبلوماسية الواردة من أكثر من عاصمة غربية وطهران، عن وجهتي نظر بعيدتين كل البعد في النظرة الى ما جرى في دمشق وغزة. وإن كانت السيناريوهات التي رافقت اكثر من مجزرة في غزة قد تعدّت تلك التي يمكن ان تقود إليها عملية القنصلية، الى درجة أبعدت اي تصور يُعتقد انّه الاقرب الى ما هو محتمل. فردّات الفعل التقليدية التي صدرت من طهران واكبتها عمليات تشكيك واسعة بإمكان حصول ردّ مؤلم ومماثل في «نوعيته وحجمه» في ظل صعوبة فهم ما يدور في العقل الإيراني قياساً على التجارب السابقة، وهو ما أبعد معظم السيناريوهات المرتقبة لردات الفعل التي يمكن ان تقود اليها وجعلتها متناقضة الى حدّ بعيد لا تلتقي عند نقاط مشتركة.

 

واضافت التقارير، انّ طهران التي أخضعت العملية للبحث الدقيق في اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس ابراهيم رئيسي، وزعت المهمّات على أجهزتها المخابراتية والعسكرية والديبلوماسية، ولم تفصح عن اي مخطط يمكن اللجوء إليه، على رغم من حجم التهديدات التي صدرت على اعلى المستويات. وفي الوقت الذي تسابق بعض عواصم محور الممانعة وقادة احزابه في توزيع السيناريوهات المختلفة للردّ المحتمل، احتفظت طهران بحجم كبير من الصمت. فخسارة مجموعة من الضباط والمستشارين الكبار في ظل كثرتهم لا يختلف عن خسارتها العقل الذي بنى البرنامج النووي فخري زادة، الذي اغتيل في قلب طهران في عملية معقّدة، ولا عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني في بغداد، ولم تتضح بعد ردّة الفعل الإيرانية الخاصة بالجريمتين. وان احتُسبت بالتي استهدفت القواعد الاميركية في العراق، فهي لا تقاس بحجم خسارتها لهما ورفاقهما، وجاء نفي اي علاقة لطهران بعملية «طوفان الاقصى» ليزيد في الطين بلّة، عدا عمّا يمكن اعتباره رداً على مسلسل استهداف المستشارين الآخرين في مناطق سورية مختلفة من دمشق وصولًا الى بانياس، حيث كُشف عن وجود قاعدة ايرانية مُحدثة في قلب منطقة «النفوذ الروسي» على الساحل السوري.

 

وقياساً على هذه المفارقات التي ظهرت بكثافة، يبدو صعباً لدى المراجع الديبلوماسية تقدير ردّة الفعل الايرانية تجاه العملية، في وقت تمادت العواصم الغربية ومعها تل ابيب في اعتبار ما حصل عملية «عسكرية وامنية»، قال تقرير ديبلوماسي ومخابراتي غربي انّها لا تختلف في نظرهم عن بقية العمليات التي استهدفت قادة رفيعين ومستشارين إيرانيين في أكثر من دولة. حتى انّ إحداها قال انّ ما بلغه التوتر مع ايران نتيجة العمليات التي استهدفت الاراضي الفلسطينية المحتلة من اليمن والعراق وسوريا، اعتبرت انّها نُفّذت بقرار ايراني، متجاهلة أدوار القوى التي تشكّل اذرعتها في المنطقة. وعليه، فإنّها لا تتوقع اي ردّ فعل مباشر وعلني حتى اللحظة، ولكن الحيطة ضرورية في مختلف سفارات الدولة العبرية في العالم وعلى اراضيها وحدودها.

 

وفي انتظار تلك اللحظة، تعجز المراجع الديبلوماسية المطلعة عن تقدير الموقف، وهي نصحت بالرصد لا اكثر ولا اقل. فالمنطقة متوترة أصلاً، وأنّ الحديث عن محطة «القنصلية الايرانية» انّها حولت مجرى الأحداث في اتجاه ما هو اخطر مبالغ فيه الى حدّ بعيد، وهو ما ستثبته الأيام المقبلة نفياً او تأكيداً.