يطرح إلغاء رئيس الحكومة حسان دياب زيارته الى صيدا أسئلة كثيرة تتجاوز المبرر الوارد في الخبر الصادر عن مكتبه الإعلامي عن خلافات في المدينة بشأن المدعوين.
فالواضح أن شعب المدينة كما غيره في المدن اللبنانية لا يحتمل حضور المسؤولين والمدعوين للإحتفال بإنجازات لا تنعكس على أرض واقعه إيجاباً، وسيتصدى لأي استعراض دعائي لحكام سرقوا ودائعهم في حين يعجزون عن ضبط سعر ربطة الخبز.
والأكيد أن إلغاء الخروج الى مكان عام يتجاوز رئيس الحكومة الى الطبقة السياسية برمتها، سواء كانت حاكمة او مترقبة في صفوف المعارضة، فرصتها للعودة الى الحكم. والأكيد أيضاً أن “فيروس “كورونا” شكَّل الأداة الفضلى لقمع الشارع ومنع الناس من الإعتراض والرفض لهؤلاء وارتكاباتهم المستمرة.
بالتأكيد يخاف هؤلاء من الشارع ومن فيه. يكثفون الخطابات وتعداد الإنجازات بكلمات مدبجة عبر شاشة، أو بالتنقل الآمن المترافق مع ترتيبات أمنية حازمة مسبقة، فلا يواجهون ولا يتواجهون.
والإحجام عن الأرض بديهي لمسؤول لا يعرف الأرض ولم يختبرها سابقاً.
أما من كان يرتب حضوره الجماهيري ويفصّله على قياسه، فقد كشفت أيامنا هذه أن المكان العام لم يعد متاحاً له ولأمثاله في لبنان. حُرِّم عليهم الشارع والمقهى والمطعم والمتجر حتى إشعار آخر.
والجمهور يأنف من مجرد رؤيتهم على مقربة منه. وإن أبصرتهم العيون، فالخطوة الثانية ستكون قطعاً مهاجمتهم بالرفض والانتقاد والشتائم والاتهامات بالارتهان لمشغليهم، والمشاركة بالفساد أو السكوت عنه والانصياع للفاسدين الممعنين بسرقة المال العام وإفلاس البلد.
لهؤلاء أن يكتفوا بمؤتمرات صحافية مغلقة أو عن بعد. أما مغادرة الحجور التي يحتمون بها، فهي ستؤدي الى المواجهات الكبرى التي ستريق ماء وجههم وتشعرهم بمدى غربة الشارع عنهم. وهنا تكمن العلة. تحديداً هنا. فقد ارتاحت المجموعة التي حسب أفرادها أنهم الأبرع في الـ “Marketing” السياسي، الذي سمح لهم بالتحكم وإزاحة خصومهم بعد الوصول الى المنصب والإنعزال فيه عن الشارع بكل الأطياف التي تلونه، والاكتفاء بالمريدين والمنتفعين ممن يصفقون ويكيلون المديح لهم.
لعل هؤلاء إرتاحوا أكثر مما يجب. وتركوا لمن أوصلهم أن يتدبر فرض إبقائهم في مناصبهم. رأسمال استمراريتهم محصور بالمراهنة على أن أحداً لن يزيحهم ما دامت صناديق الإقتراع مقفلة، وما دام الانقلاب على الطبقة السياسية الحالية غير متاح وغير ناضج حالياً. ولعل هذه الصناديق لن تفتح ما دام الشارع محرماً عليهم. ودونه هذا الغضب المتفاقم والمستفحل لشعب جاع وسيجوع أكثر بفضلهم.
ولأن الظروف الكورونية قدمت لهم خدمة كبيرة لتحميهم من غضب الشارع وتتيح لهم إبرام الصفقات وإرضاء أصحاب السمسرات، لذا هم يبتهلون ليل/نهار أن تستمر “كورونا” الحامية لهم، فلا ينحسر الفيروس، ويضطرون الى إلغاء التعبئة العامة وإعادة الحياة في البلاد الى طبيعتها. حينها سينكشفون ويكتشفون تحول رفض الشارع لهم الى فوضى عنيفة لن يسهل عليهم التعامل معها. فأي مغامرة باتجاه الجمهور يقدم عليها هؤلاء المسؤولون قد تنقلب كارثة عليهم وتزيد من حقدهم على كل من يرفضهم، مهما تبجحوا بأن الشعب يثق بهم، وحاولوا إقناع أنفسهم بأن التظاهرات التي تخترق محظورات فيروس “كورونا” ليست سوى مؤامرة أميركية للإطاحة بهم.
وحينها سيتولى من أوصلهم الى مناصبهم مسؤولية ترويض هذا الشارع، كما فعل ويفعل منذ 17 تشرين الماضي.