Site icon IMLebanon

هل يغير «كورونا» من تفكير إيران الاستراتيجي؟

 

الافتراض أنه بسبب اشتباك النظام الإيراني في حروب ساخنة أو باردة في الجوار وما بعده، فقد كان ذلك على حساب الوضع الاقتصادي الإيراني الداخلي ولسنوات طويلة، ومنه تدهور البنية الصحية الإيرانية.

الخسارة المؤقتة بررت على توقع أن ثمة جائزة كبرى في نهاية الطريق (بناء الإمبراطورية) القائمة على فكرة حكم ولاية الفقيه، ومن ثم الاستفادة من كل ثروات وموارد الأرض الجديدة (من الفرات إلى البحر الأبيض) و(من الخليج إلى البحر الأحمر)، ذلك سيعود بالنفع العميم على الشعوب الإيرانية ثروةً وعزةً! فلا بأس أن تحرم تلك الشعوب من الكثير من مواردها ونقص في خدماتها الأساسية في سبيل تسخير تلك الموارد المتاحة أو المتوافرة من الجوار الذي سقط باليد كالعراق، واستثماره في بناء ترسانة عسكرية وتهيئة العديد من الرجال لخدمة ذلك المشروع وصرف الأموال في تمويل الأذرع الفاعلة في ترويج تلك الاستراتيجية في الجوار كما في لبنان واليمن، وأيضاً العراق وأماكن أخرى، كل ذلك على حساب الحاجات الإنسانية للشعوب الإيرانية، وفلسفت تلك المقولات بشعارات تراثية أو اجتماعية، على رأسها الرسالة الربانية آيديولوجيةً، والصبر طريقاً للوصول إليها، كما يصبر ناسج السجادة الإيرانية (التعبير الأخير محبب لبعض الكتاب الغربيين!) كي تُنال الجائزة في النهاية. قد يكون «كورونا» وانتشار وبائه الذي من المحتمل أن يحصد الآلاف من الإيرانيين، مع الأسف، جرس تنبيه لإعادة النظر في المشروع كله، فواحد من أهم أسباب انتشار الوباء في إيران واستوطانه، مع الأسف، ضعف خطير في البنية الهيكلية للمنشآت الصحية في إيران والتي لم تخصص لها الموارد الكافية ولا رأس المال البشري من أجل تحصين السكان في مدن وقرى إيران من أي نائبة صحية، ولا وفّرت الإمكانات لمواجهة الأمراض الخطيرة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والشح في تمويل الخدمات العامة.

جرس التنبيه يقول إنه مهما خطط لبناء الإمبراطورية على حساب الموارد والسكان، فهو بالتأكيد في زماننا مؤدٍ إلى فشل. حتى الآن يجري تسويق خطط التوسع الإيراني في الجوار على مجموعة من الشعارات تتراوح بين «الدفاع عن المذهب» مثل «حراسة المراقد في دمشق»، وكأنها كانت مهددة! أو «الدفاع عن المستضعفين» أو حتى «مقاتلة إسرائيل وأميركا»! قد تكون هذه الشعارات جاذبة للبسطاء من جهة أو أصحاب المصالح المرتبطة بالمشروع من جهة أخرى، لكنها تبدو ساذجة للعقلاء، فكل تلك الشعارات تخفي أو تحاول أن تخفي أهداف المشروع الحقيقي وراء الجهد الإيراني الذي تؤمن به النخبة الحاكمة، وهو التوسع في الجوار والاستحواذ على السلطة والثروة في المنطقة. هل يعطينا التاريخ أمثلة يمكن الاستفادة منها في المقارنة في بعض الوجوه لفهم هذا التوجه، وإلى أي ميناء يمكن أن يرسو فيه؟ قد يكون الجواب نعم. ففي أوروبا اندلعت حرب ضروس تسمى حرب الثلاثين عاماً، وشملت صراعات دامية استمرت معظم سنوات النصف الأول من القرن السابع عشر، يعرفها كثيرون بتعجل، إنها حرب بين الكاثوليك والبروتستانت، أي حرب طائفية بالتعبير الحديث، وهو توصيف يرغب البعض في إسقاطه على الصراع بين إيران وجاراتها في مشروعها المتمدد في السنوات الأخيرة، ذلك التوصيف غير صحيح، فقد قامت قوى كاثوليكية كما حدث لفرنسا الكاثوليكية وحتى البابا بمناصرة البروتستانت، كما قامت قوى بروتستانتية بمناصرة الكاثوليك، كما يحدث اليوم من مناصرة بعض السنة مثل تنظيم الإخوان للمشروع الإيراني ومقاومة بعض الشيعة لذلك المشروع، هنا يسقط التنميط كلياً عن توصيف الصراع القائم بأنه سني شيعي أو طائفي، هو سياسي بامتياز كما كانت حرب الثلاثين عاماً في أوروبا صراعاً سياسياً من أجل السيطرة والاستحواذ، واستخدمت في جيوش تلك الحروب الأوروبية مرتزقة من أماكن أخرى من القارة، كما يحدث اليوم، من أفغان وباكستانيين وغيرهم، وبسبب تلك الحرب الطويلة انخفض عدد سكان بعض دول أوروبا إلى أقل من النصف، وتدنت نسبة الرجال في المجتمع إلى درجة أن سمح أمراء الحروب وقتها بتعدد الزوجات لتعويض الخسائر في الرجال، ودمرت مناطق واسعة، وهاجر السكان إلى الغابات والخلاء، وانتشرت المجاعات والأوبئة والأمراض، وهلك ملايين من البشر. إذا قبلنا المقارنة في الخطوط العريضة، فإننا أمام عشر سنوات حرباً في سوريا، وخمس في اليمن، وعشرين عاماً في لبنان ومثلها في العراق، كلها تدار تحت شعارات هدفها التوسع. الآلاف من السوريين ذهبوا ضحية القتل المباشر أو في أقبية السجون جراء التعذيب وملايين انتشروا لاجئين في الداخل والخارج، واستبيحت أرواح الآلاف من اليمنيين دون مبرر، وهُدمت قرى ومدن جراء عبث الحوثيين ودعمهم المستمر القادم من طهران، وأفلست لبنان الدولة تحت هيمنة «حزب الله» وإرهابه، وتوقف بناء الدولة في العراق ويتحكم في مستقبلها مجموعة من الميليشيات مدعومة سلاحاً وتدريباً من إيران.

هذا هو المشهد الماثل أمامنا قد يشابه في بعض ملامحه، مع اختلاف ضرورات الزمن، مشهد ذلك الصراع الدموي في النصف الأول من القرن السابع عشر الأوروبي، والآثار السلبية الرهيبة التي تركتها. ومع اندلاع وباء «كورونا» الجديد في إيران وتلك أخبار لا تسر أحداً، بل تقلق الجميع، هل تنتبه النخبة الحاكمة إلى حقيقة خواء المشروع ونتائجه الكارثية على الشعب الإيراني وأبناء المنطقة، وأن الحاجة أصبحت ملحة إلى أن تأخذ إيران الجانب الصحيح من التاريخ! لا يحتاج العقلاء إلى إثبات حقيقة أن تكديس الصواريخ والقوارب السريعة وتفعيل البرامج النووية، وتجنيد المرتزقة أو إرسال القوات المساندة إلى خارج الحدود، مع إفقار في الداخل وإضعاف في البني الخدمية والسياسية لا يؤدي إلا إلى ما آلت إليه المدن المتحاربة في الزمن الأوروبي القديم الخواء الكامل. ربما لا يعني ذلك الدرس الشيء الكثير للنخبة الإيرانية، أما انتشار العدوى التي أنكرها النظام في بداية الأمر، والقول إن الفيروس مصنّع في معامل الولايات المتحدة أو أنه عقاب من الله للصينيين، ثم اضطرار النظام إلى إطلاق سراح 70 ألف سجين تحوطاً من كارثة إنسانية، بسبب ضعف شديد في القدرة على التعامل مع الواقع المعاش والاعتراف بما يتوجب الاعتراف به، وهو أن بناء الإمبراطوريات تحت أي علم أو آيديولوجيا لم يعد ممكناً في زماننا، هو فقط استهلاك غير حميد للموارد وحروب دونكشوتية لا نتيجة لها إلا تخريب مدن وأوطان في المكان والجوار، فبالتأكيد يرغب السوريون في بناء دولة حديثة لهم يتساوى فيها المواطنون، وبالتأكيد يرغب اليمنيون في العيش في دولة ليست إمامية كما خبروا شرورها قروناً سابقة، كما أن العراقيين ضاقوا ذرعاً ببداية المشروع الإيراني، كما ساد التذمر قطاعات واسعة من اللبنانيين، في كل هذه المناطق زادت القناعة أن المشروع الإيراني يستطيع أن يُخرب، لكن ليس لديه القدرة على البناء! «كورونا» بدأ يفكك المشروع فتم قفل الحدود مع إيران من العراق وتركيا ولبنان والخليج، فهل يوقظ جرس الإنذار الذي يرتفع صوته الآن في أكثر من مكان قادة المشروع إلى الاعتراف بفشله! والسعي للنظر في خيارات أخرى للمستقبل؟ أو السير في هذه الطريق حتى الوصول إلى الهاوية؟

آخر الكلام:

من الشاذ وغير المقبول في العلاقات الدولية أن يسمح لمواطنين الدخول إلى بلد دون أن تختم جوازات سفرهم، ذاك ما حدث للسعوديين في إيران؛ مما تسبب في وقوعهم في مصيدة المرض، فأصبحوا ضحايا التسييس والجهل معاً، وعرّضوا مواطنيهم للخطر!