أقرّ مجلس الوزراء الإثنين الفائت التشكيلات الديبلوماسية، بعد ثماني سنوات من “تيسير الحال” على صعيد الديبلوماسية اللبنانية في الخارج، كون الظروف السياسية فرضت ذلك. فقد حصلت خلال الأعوام الماضية بعض المناقلات وسدّ الثغرات، على ما يسمح القانون لوزير الخارجية والمغتربين، سيما وإنّ قرار إصدار التشكيلات الديبلوماسية الشاملة لم يكن متخذاً في أي من عهود وزراء الخارجية السابقين خلال السنوات الماضية.
أما اليوم في ظلّ عهد الرئيس جوزاف عون، المدعوم من دول الخارج، وحكومة نوّاف سلام التي تُعوّل عليها بعض الدول لإنهاض لبنان من كبوته، فكان المطلوب تمرير هذه التشكيلات بـ “أفضل الممكن”، خصوصاً وأن رؤساء بعثات عدّة ظلّوا في الخارج أكثر من 15 سنة، خلافاً للقانون.
وفور صدور التشكيلات عن مجلس الوزراء، علت بعض الأصوات منتقدة ومندّدة بها، على ما تنقل أوساط ديبلوماسية مواكبة، كونها وجدت فيها إجحافاً بحقّها، في حين تحدّث بعض السفراء عن رضاهم بالمناصب التي جرى تعيينهم فيها، إمّا في الخارج أو في الإدارة المركزية. غير أنّ مصادر في وزارة الخارجية (مقرّبة من الوزير) أصدرت بياناً فور صدور التشكيلات وبعد حصول الانتقادات، أنّها “أعادت الإنتظام إلى السلك الديبلوماسي”، مشيرة إلى أنّه “تمّ حفظ معظم المراكز الأساسية لمستحقيها من السفراء من ملاك الوزارة، وكانت الاستعانة بخبرات خارجية (أي من خارج الملاك)، هي الإستثناء. فقد جرى تخفيض عدد السفراء من خارج الملاك من 14 إلى 6 سفراء مقارنة بآخر تشكيلات جرت”.
في حين أنّ للمنتقدين رأيا آخر، إذ وجدوا بأن التعيين وفق المحاصصة (أي حصّة كلّ من الرؤساء الثلاثة) جرى الحفاظ عليه، ولكن من خلال الموافقة على تعيين 8 سفراء محسوبين عليهم من داخل الملاك، إلى جانب الـ 6 سفراء من خارج الملاك الذين جرى تعيينهم في كلّ من: فرنسا، ربيع الشاعر (المستشار القانوني لرئيس الجمهورية وهو ناشط سياسي ومحام)، الفاتيكان، الدكتور فادي عسّاف (من بلدة مشموشة، قضاء جزّين)، وواشنطن من الحصّة المسيحية أيضاً، وحصدته “القوّات اللبنانية” بالتقاطع مع الولايات المتحدة الأميركية والنائب ميشال معوّض، إذ جرى تعيين ندى حمادة معوّض (مديرة مؤسسة رينيه معوّض في أميركا) فيه.
وفي الإمارات العربية عُيّن طارق منيمنة، وفي الأونيسكو هند درويش وهما محسوبان على سلام. والسفير السادس من خارج الملاك كان علي إبراهيم الصالح (من الطائفة العلوية والمقرّب من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي)، وجرى تعيينه في رومانيا. ومن ضمن حصّة برّي، تعيين سفراء من داخل الملاك أيضاً.
وفي بعثة لبنان الدائمة في نيويورك جرى تعيين أحمد عرفة شعبان (من داخل الملاك- من بلدة شحيم). هذا المنصب الذي تولّاه القاضي نوّاف سلام من خارج الملاك في فترة سابقة، وهو من حصّة الطائفة السنيّة، إلا في حال جرى تبادله مع واشنطن.
وطالت الإنتقادات لائحة التشكيلات، وفق الأوساط الديبلوماسية المطلعة، كونها لم تُراعِ التوزيع الطائفي المتعارف عليه، كأن يكون السفير من طائفة البلد المعيّن فيه. فقد عُين الأمين العام للخارجيّة هاني شميطلي سفيراً للبنان في إسبانيا (وهو بلد أوروبي مسيحي)، وغدي خوري في الكويت (وهو بلد مسلم). وهادي هاشم (ماروني) في البحرين (وهو بلد مسلم). ما يجعل هؤلاء السفراء بحسب المنتقدين، يفرضون فرضاً في هذه الدول، كون بعضهم محسوبا على أطراف سياسية لم تعد فاعلة حالياً على الساحة السياسية. وتبقى موافقة الدولة التي سُمي فيها السفير أساسية لاكتمال التعيينات. ويستغرق الأمر نحو شهرين أو ثلاثة لانتهاء عملية التسليم والتسلّم في سفارات وبعثات لبنان في الخارج.
وتقول الأوساط الديبلوماسية بأنّ التشكيلات الأخيرة أعادت 44 سفيراً (أو رئيس بعثة) من أصل 47، من الذين تجاوزوا مدتهم القانونية في الخارج، وفقاً لما ينصّ عليه القانون.
كما أنّ هذا العدد الكبير من السفراء العائدين الذي يُشكّل سابقة في الخارجية التي لا تضمّ سوى 12 مديرية ومنصب الأمين العام، سيخلق فائضاً لا يحتاج اليه لبنان في الخارجية. فما هي المهام التي ستُسند لهؤلاء السفراء في الإدارة المركزية، قبل إعادة تعيينهم في الخارج بعد سنتين؟!
وفي ما يتعلّق بترفيع 35 ديبلوماسياً من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى ومنحهم لقب سفير، فقد رأى المنتقدون للتشكيلات، على ما نقلت الأوساط، بأنّ الترفيع حصل إستنسابياً، في حين تمّ حجب الترفيعات عن ديبلوماسيين آخرين من غير المحسوبين على الأطراف المعنية الحالية. كما جرى ترفيع 7 موظفين من الفئة الثالثة إلى الثانية، وتمّ تكليفهم بترؤس بعثات في الخارج برتبة سفير وهو أمر مخالف للقانون، من وجهة نظرهم، ويدخل ضمن المحسوبيات والتنفيعات، سيما وأنّ راتب السفير يفوق راتب المستشار أو السكرتير أو القائم بالأعمال بكثير.