Site icon IMLebanon

التموضع الخاطئ

 

اختار المسؤولون في السلطة اللبنانية الجديدة تموضعاً سياسياً خاطئاً، مُعرضين به الدولة اللبنانية لشتى أنواع النيران من جهات عدة، داخلية وخارجية، ومُتحمّلين بسبب هذا التموضع مسؤولية عدم الانطلاق الجدّي في خطة تحقيق السيادة الكاملة والاستقرار الأمني المشروط بنزع السلاح غير الشرعي من كافة المنظمات اللبنانية وغير اللبنانية، وعدم نيل الدعم الدولي لتحرير الأراضي المُحتلّة، معتقدين عن خطأ، أن تموضعهم هذا يُبعد البلاد عن خطر التصادم الداخلي – الداخلي.

 

 

ولكنهم بهذا التموضع الخاطئ يُعاكسون دروس التاريخ اللبناني القريب، التي تُثبت أن من لا يتجرأ على اتخاذ مسؤولية الإنقاذ على عاتقه، يسقط حتماً. ويتمنّى هؤلاء المسؤولون من خلال التركيز على محاولات معالجة الملفّات المالية والاجتماعية، وشبه الإصلاحية، تجنّب التعاطي بالملفات الأشد أهمية، أي الأمنية والسلاحية والسياديّة، بحجة حماية السلم الأهلي، تلك الحجة التي باتت مادة ضعيفة التأثير بعد التغييرات الجذرية التي استجدّت في لبنان مع الحرب الأخيرة، حيث أصبحت قدرة محور السلاح غير الشرعي معدومة تقريباً للدخول بمشاريع أمنية ومجازفات ميدانية، وإن أقدم عليها، ستكون فعلياً فخاً له لن يخرج منه سالماً، والتهديدات التي يُردّدها قياديوه من خلال الكلام العالي النبرة أصبح من دون فعالية سياسية أو تأثير عملي، إلا عند الراغبين للأخذ به لاستخدامه حججاً في سوق المنافسات على الأدوار والمواقع والتموضعات الوسطية.

 

 

 

وبما أن البعض من المسؤولين يرتاحون لهذا التموضع، فبطبيعة الحال، ستكون لمسيرتهم خطوات تراجعية عن الدور الذي عُهد إليهم من قبل المجتمع الدولي الداعم للبنان ومن قبل المواطنين اللبنانيين التواقين لسلطة الدولة، فالدور الإنقاذي المُتوقع من هذه السلطة، والمُحدّد بمدى قدرتها على حصر السلاح بيد الدولة وفرض الأمن والسيادة من دون مراضاة، أصبح مُعرّضاً للأفول، بفعل قناعة هذا البعض بالتخلّي عنه “فليس كل من وضعته الظروف في طريق مسيرة الإنقاذ التاريخي، يتناسب معها، الإنقاذ له أربابه”.

 

 

كما حلّت الحروب سابقاً على اللبنانيين، عندما تخلّت الدولة عن واجباتها السيادية، فكذلك الآن، ليس من المُستبعد أن تحلّ لمرّاتٍ ومرّات عدّة وبأشكالٍ مختلفة ومتنوعة، إن تبيّن أن الحكّام الحاليين لا يُمثّلون القيادة الحقيقية التي تستطيع الانطلاق بقطار بناء الدولة. وأكثر ما يُهدّد المسار الإنقاذي الحالي، انتظار الحلول الآتية من حروب الخارج ومن القرارات الدولية ومن التسويات الإقليمية والدولية، وهذه المنهجية، إن أستمرّ العمل بها، ستؤدي حتماً إلى خسارة الفرصة السانحة لاستعادة الثقة الدولية والداخلية بالدولة اللبنانية، وهذا بالتحديد ما ينتظره فريق اللادولة، الذي يقف بالمرصاد لمشروع الدولة، لإثبات عقمه، تماماً كما فعل في السابق لمرات عدة، عندما تم تلزيمه الأمن في لبنان، ليس لكونه مثالاً جيداً بل لكون مسؤولي الدولة الرسمية تخاذلوا، وتموضعوا في المكان الخاطئ.