تتخذ الملفات الشائكة في لبنان طابعاً مرضيّاً مزمناً. لا مكان للحلول العملية والسريعة والجذرية، من المسائل المعيشية والإقتصادية إلى الإستحقاقات السياسية الرئاسية، وصولاً إلى القضايا الوطنية الوجوديّة كأزمة النازحين السوريين. حتّى اليوم، كلّ الإجراءات الرسمية والأمنية والمحليّة لم ترتقِ إلى المستوى المعقول والمُطَمئِن. العقبات كبيرة؛ إنقسامات ونكايات وزارية حول الصلاحيات، تسيّب حدوديّ إلى حدّ الفلتان والتهريب على أنواعه، نفعية المجتمع الدّولي في مقاربة النزوح وفق معايير ومصالح دوله ومنظّماته.
وتقع المسؤولية أيضاً على عاتق اللبنانيين «المسترزقين» من مصائب النازحين أكانوا أفراداً أم بلديات أم منظّمات غير حكومية، فاق عددها الـ8000 جمعية، نبتت كالفطريات وفق مصدر مطّلع على عمل هذه المؤسّسات. أمّا السّخط المحلّي المتزايد، فهو باتجاه «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين»، التي تحوّلت إلى وكالة دولية للتجارة في مصائرهم، حتى شبّهها بعض منتقديها بـ»الوكالة اليهوديّة» في تسهيل إجراءات بقاء ودمج السوريين في لبنان.
وما يشحن نقمة الرأي العام هو عدم تسليمها «داتا النازحين» إلى الجهات الرسمية والأمنيّة اللبنانية، ما يثير الشكوك حول نواياها وأهدافها من جهة، وعدم التمييز بين مستحقّي صفة اللجوء وهم كثر وبين المتسلّلين خلسة وهم أكثر من جهة أخرى، خصوصاً بعد الأرقام التي كشفتها «نداء الوطن» في عددها أمس، عن وجود 900 ألف نازح غير مسجّل يتلقّون 270 مليون دولار شهرياً، بإعطاء كلّ فرد 10 دولارات يوميّاً، أي ما يعادل 300 دولار شهريّاً، توازي رواتب ثلاثة موظّفين في القطاع الرسمي أو الأسلاك العسكرية.
إزاء هذه الأزمة المتفاقمة يوماً بعد يوم، وفيما المعالجات العُليا ضائعة بين خبايا الأمم والمصالح الدولية والمناكفات السياسية المحليّة، عقد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي، أمس، اجتماعاً طارئاً مع المحافظين وعدد من رؤساء البلديات، لمعالجة وتنظيم الوجود السوري الكثيف في لبنان الذي بات «يتخطّى إمكانات البنى التحتية والدولة، واستفحال الجرائم المتنوّعة والكبيرة التي يرتكبها السوريون بنسبة تفوق الـ 30 في المئة»، مشدّداً على أنّ «بلدنا مش للبيع». ووجّه مولوي تحذيراً للبلديات والمخاتير ودعاهم إلى «تقديم تقرير دوريّ كلّ 15 يوماً عمّا فعلوه بشأن الوجود السوري من قمع مخالفات وإزالة تعديات، ومحاسبة أيّ مختار يُعطي إفادة كاذبة أو مزوّرة».
غير أنّ جهود السلطات المحلية لا تكفي وحدها لمواجهة أثقال وأعباء هذا الملف، فوضع عدد من رؤساء البلديات على طاولة الوزارة المشاكل اللوجستية التي يواجهونها في نطاق صلاحياتهم. كما أنّ غياب مرجعية واحدة في الدولة تُمسك وتدير هذا الملف وتملك كلّ المعطيات والمعلومات، يحدّ من تشبيك الجهود والتعاون بين الوزارات وإداراتها. وما يثير الخيبة، وفق أحد رؤساء البلديات أنّ السلطات القضائية تتعاطى بخفّة واستسهال مع المخالفين أو الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية، إذ يتمّ توقيفهم لمدّة أقصاها 15 يوماً ثم يُطلق سراحهم.
في عيّنة على واقع السلطة المحليّة، أشار رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة إلى أن البلدية تعمل منذ بداية الأزمة على مواجهة النزوح السوري وضبطه حتّى تاريخه. إذ عمد إلى رفع التكاليف وزيادة عناصر الشرطة البلدية وتشكيل فرقة حراسة أمنية وليلية تابعة لرئاسة البلدية، تقوم بمداهمات وتوقيف المخالفين وحصر وظائف السوريين بما تنصّ عليها القوانين أي في الكناسة والزراعة وأعمال البناء فقط». في السياق أكد شختورة قطع أي علاقة بين البلدية والجهات الدولية والمانحة، غير آبه بما يسوّقه البعض ضدّه واتهامه بالعنصرية، «طالما أننا نحافظ على هويتنا وأمننا ووطنيّتنا».
بالعودة إلى إشكالية «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين»، كشف عضو «الجمهورية القوية» النائب غياث يزبك عن سلسلة تحرّكات دبلوماسية باتجاه مراكز القرار السياسي الغربي والعربي، في الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لإبلاغها بلغة واضحة أن لبنان لم يعد قادراً على احتمال النزوح السوري. وإذا لم تنجح هذه الضغوطات، سيتوجّه التكتلّ إلى توقيع عريضة نيابية موسّعة ومفتوحة أمام كلّ الكتل النيابية، تُطالب بإقفال مكتب الـUNHCR في لبنان التي تحوّلت إلى مفوضّية تسويق لاحتلال سوري ممنهج، خاصة بعد استنزاف كل اللقاءات والمفاوضات والاجتماعات مع المؤسسة الدولية المذكورة، وشرحنا لهم مخاطر النزوح وتداعياته الكارثية على لبنان، لكننا لم نسمع منهم سوى «ردود باردة وفارغة تقول إنّ الوضع الأمني والسياسي في سوريا لا يسمح لهم بعودة آمنة».