Site icon IMLebanon

لبنان الرسمي يتحرّك جديّاً لتخفيف مخاطر النزوح …ويُعوّل على “مُؤتمر بروكسل” لتسهيل العودة 

 

 

يُعوّل لبنان على تبدّل الموقف الأوروبي والدولي من أزمة النزوح السوري، التي بدأت تُشكّل خطراً فعلياً على الأمن والإقتصاد والديموغرافيا في البلاد، بعد أن وصلت أعداد النازحين السوريين فيها الى حدّ غير مقبول على مختلف المستويات، وإن كان لا يزال أمامه الكثير ليقوم به في هذا الملف. ويتحضّر لبنان حالياً لإعداد الورقة الرسمية الخاصّة بالنزوح السوري، التي من المقرر أن يلقيها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي باسم لبنان في “مؤتمر بروكسل الثامن لدعم مستقبل سوريا ودول المنطقة”، الذي يُنظّمه الإتحاد الأوروبي ويُعقد في 27 أيّار المقبل على المستوى الوزاري. وكان بدأ المؤتمر أعماله أمس الثلاثاء بيوم الحوار، الذي جرى فيه التواصل مع المجتمع المدني السوري داخل سوريا وفي المنطقة وفي الشتات من خلال حلقات نقاش.

 

وتتضمّن كلمة لبنان في “مؤتمر بروكسل” هذه المرّة، على ما كشفت مصادر سياسية مطلعة، فداحة ما وصلت اليه الأوضاع في لبنان من مخاطر ناجمة عن استضافته لأكثر من مليوني و200 ألف نازح سوري على أراضيه بطريقة شرعية وغير شرعية، من خلال بعض الأرقام الصادمة. مع العلم بأنّ لبنان الرسمي لا يملك “الداتا” الفعلية لجميع النازحين السوريين على أراضيه حتى الآن، خصوصاً وأنّ مفوضية اللاجئين قد سلّمت الأمن العام “داتا” غير مكتملة لمليون و480 ألف نازح سوري فقط، لا يمكن للبنان الإستفادة منها من دون إعادة العمل عليها. غير أنّ حكومة تصريف الاعمال تتحرّك بشكل جدّي منذ نحو ثلاثة أسابيع، عن طريق الوزارات المعنية والبلديات لوضع الإحصاءات الإجمالية لهذا الوجود غير المنظّم على الأراضي اللبنانية. ومن المفترض أن يشمل العمل التنظيمي عدد المخيّمات، وعدد النازحين السوريين في كلّ منها، الى جانب عدد النازحين مقارنة مع عدد اللبنانيين في كلّ بلدة ومنطقة وقرية، فضلاً عن عدد المؤسسات غير الشرعية التي يفتتحها السوريون في المناطق ويعملون فيها، والتي باتت تضاهي المؤسسات والمحال اللبنانية بأضعاف الأضعاف في بعض القرى، وغير ذلك من معلومات خاصّة بكلّ نازح يقيم على الأراضي اللبنانية.

 

ولعلّ أكثر ما ينفي صفة النزوح عن عدد كبير من السوريين في لبنان اليوم، على ما أكّدت المصادر، ليس فقط عودة الأمن والإستقرار الى غالبية المحافظات السورية، إنّما كون النزوح بمجمله حصل لأسباب إقتصادية، أكثر منها لأسباب أمنية أو سياسية أو عسكرية. فمساحة سوريا توازي 18 مرّة مساحة لبنان الجغرافية، ما يعني أنّه حتى خلال المعارك التي كانت دائرة في بعض المحافظات السورية، كان هناك مناطق أخرى آمنة. والدليل نزوح 12 مليون سوري، 7 مليون منهم في الداخل، من محافظة ساخنة الى أخرى أكثر أمناً، و5 مليون الى دول الجوار ولا سيما منها لبنان والأردن وتركيا ومصر لأسباب إقتصادية. واليوم باتت هذه المناطق الآمنة موجودة على كامل مساحة سوريا، الأمر الذي يُسهّل عودة جميع النازحين من الداخل والخارج الى أماكن سكنهم.

 

وذكرت المصادر بأنّ المعلومات الأمنية تشير الى أنّ غالبية السوريين الموجودين في لبنان، يُغادرون الى بلادهم في العطل ومواسم الأعياد وسواها ويعودون الى المخيمات، ما يعني أنّ بإمكانهم العودة بسهولة الى مناطقهم. غير أنّ ما يجعلهم يتمسّكون بالبقاء في لبنان، فهي المساعدات المالية الشهرية التي يحصلون عليها من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تُساهم في هذا الأمر، ولا تُساعد الحكومة على تسهيل إعادتهم الى بلادهم، أو الى بلد ثالث يكون بلد لجوء. علماً بأنّه من أصل مليونين و500 ألف سوري وُجدوا في لبنان في فترة من الفترات، لم يُغادر الى بلد ثالث بأوراق شرعية سوى 150 ألف نازح فقط، ثمّ عاد نحو 450 ألف منهم الى سوريا على دفعات من قبل الأمن العام الذي سهّل عودتهم بالباصات، ليغادروها مجدّداً لذرائع إقتصادية.

 

وتتمثّل الخطورة الأكبر اليوم، وفق المصادر نفسها، ليس بوجود عصابات سرقة ومرتكبي جرائم من السوريين، إذ كشفت أرقام الأمن العام اللبناني عمّا نسبته 35 % من مرتكبي الجنح والجرائم من السوريين، وعن جود 2500 موقوف في السجون اللبنانية، خصوصاً وأنّ هؤلاء قد ألقي القبض عليهم. إنّما الخطورة هي في وجود 20 ألف مسلّح في المخيمات السورية القائمة على جميع الأراضي اللبنانية، على ما أعلن وزير المهجّرين عصام شرف الدين الذي دقّ ناقوس الخطر، الأمر الذي يُنذر بتفجّر الوضع الأمني الداخلي متى جرى إعطاء الضوء الأخضر لذلك.

 

وإذ تؤكّد مصادر في الحكومة بدء السعي الجدّي لتنظيم موضوع النزوح والخروج بأرقام تفيد لبنان في المؤتمرات الدولية، كونها تفضح ما وصل اليه الوضع العام من خطورة، يقول بعض الخبراء الإقتصاديين أنّ الدولة بحاجة الى قرار سياسي، وعليها تنفيذ خارطة الطريق الخاصّة بالنزوح من دون تلكوء، وأنّه ليس عليها سوى تطبيق القانون وإلّا تفرض عليهم الغرامات، ما يجعل النازحين السوريين يلتزمون به بدلاً من الفوضى التي تعمّ سائر المناطق اللبنانية بسبب عدم الحسم من قبل الدولة.

 

وترى المصادر بأنّ المشكلة داخلية، وعلى جميع المعنيين من وزارات وإدارات ومؤسسات وبلديات تطبيق القانون اللبناني بحق أي نازح سوري، أكان دخل الى البلاد بطريقة شرعية أو غير شرعية، الأمر الذي يُنظّم هذا الوجود بشكل جدّي وفاعل. كذلك عليها الإبقاء على اليدّ العاملة السورية التي قد تحتاجها في الزراعة والبناء والنظافة، ويتراوح عددها بين 500 و600 ألف، وإقفال كلّ المهن والأعمال الأخرى التي يقوم بها النازحون السوريون مضاربين على اللبنانيين.

 

فالحلّ يبدأ بمقاربة إقتصادية لملف النزوح السوري، وتطبيق القانون اللبناني للتخفيف من كلّ المخاطر الناجمة عن الفوضى وعن سوء تنظيم هذا الملف. على أن يُصار تدريجاً من خلال الإتفاق مع السلطات السورية، عن طريق الأمين العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري، نقل النازحين الى مخيمات عند الحدود السورية، بهدف عودتهم بعد ذلك الى مناطقهم بشكل نهائي. علماً بأنّ لبنان سيُطالب بدفع المساعدات للعائدين الى سوريا، بدلاً من منحها للنازحين السوريين للبقاء فيه.

 

أمّا المشكلة المستفحلة اليوم في ملف النازحين فهي أنّ الدول الأوروبية التي رحّبت في بداية الحرب السورية بطلبات لجوء السوريين اليها، باتت اليوم تتأفّف من وجودهم لديها، كما من الهجرة غير الشرعية التي تحصل بالقوارب عن طريق البحر، والسبب هو أنّ كلفة استضافتهم على أراضيها يُكلّفها أضعاف ما تتبرّع به أو تقدّمه من مساعدات مالية في مؤتمرات بروكسل المتتالية. وقد كشفت المصادر ذاتها أنّ كلفة النازح السوري في أي بلد أوروبي يُكلّف 3 مرّات أكثر ممّا تدفعه الى دول الجوار، لإبقاء السوريين لديها ودمجهم في المجتمعات المضيفة. وهذا ما يُثنيها بالدرجة الأولى عن تسهيل عودتهم الى سوريا. فالأمر يرتبط أيضاً بالنسبة اليها بمسألة الحلّ السياسي الشامل، وهي تودّ استخدام ورقة النزوح السوري على طاولة المفاوضات في أي تسوية مقبلة.