Site icon IMLebanon

سوريا المُقسّمة.. إسرائيل تُخطّط، وأميركا تراقب

 

 

في ظل تصاعد الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، شكّل قصف محيط القصر الرئاسي في دمشق نقطة تحوّل فارقة. لم يكن الاستهداف الأخير لمجرد مواقع تابعة لإيران أو حزب الله، بل رسالة مباشرة إلى رأس النظام السوري نفسه:

«نستطيع الوصول إليك متى نشاء… فإما الرضوخ أو الفوضى».

 

رغم غياب الخسائر البشرية، إلّا أن الرسالة السياسية كانت مدوّية. فالنظام السوري الذي يسعى إلى ترميم هيبته على المستويين المحلي والدولي، تلقّى ضربة معنوية بالغة أمام حلفائه وخصومه في آنٍ واحد.

لكن، ما خلفية هذه الضربات؟

ولماذا الآن؟

بعيداً عن الاستعراض العسكري، يبدو أن ما تخشاه إسرائيل ليس النظام السوري الحالي، بل إمكانية عودة سوريا كدولة مركزية موحّدة.

والسبب؟ الجولان.

أي نظام قوي في دمشق، ولو بعد سنوات، قد يُعيد إحياء ملف استرجاع الجولان المحتل. في المقابل، سوريا المُنهكة والمقسّمة تمنح إسرائيل ما تصفه بـ«الهدوء الاستراتيجي» على حدودها الشمالية.

 

السويداء… استثمار إسرائيلي في الخاصرة الطرية

 

جنوباً، تبدو السويداء ساحة اختبار لتكتيك جديد: دعم غير مباشر للمجموعات الدرزية غير التابعة للنظام، في مشهد يطرح تساؤلاً جوهرياً:

 

هل تحمي إسرائيل الدروز أم تستثمر فيهم؟

 

الجواب يكمن في الامتداد العائلي – الاجتماعي للطائفة الدرزية داخل الأراضي المحتلة عام 1948 والجولان.

وبذلك، يُعدّ دعم دروز سوريا وسيلة لـ«حماية ناعمة» لأمن إسرائيل، بل وربما مدخلاً لتوسيع نفوذها داخل النسيج السوري من دون احتلال مباشر.

 

هل تضغط إسرائيل فعلاً نحو التقسيم؟

 

وفقاً لمحللين غربيين وإسرائيليين، لم يعد سيناريو التقسيم مجرّد فرضية، بل خياراً استراتيجياً قيد التفعيل يخدم مصالح إسرائيل عبر ثلاث نقاط رئيسية:

1. إضعاف الدولة المركزية، وبالتالي إقفال ملف الجولان نهائياً.

 

2. التوسّع الأمني في الجنوب، تحت غطاء «مساعدات إنسانية» أو «دعم للأقليات».

3. تقليص الحضور الإيراني وعرقلة خطوط دعم حزب الله، مما يعزز أمن الجبهة الشمالية الممتدة من بيروت إلى دمشق.

 

الخليج وتقسيم سوريا: لاعبٌ صامت أم مستفيدٌ ذكي؟

 

في هذا المشهد المتشظّي، لا يمكن القول إن دول الخليج تدفع صراحةً نحو تقسيم سوريا، لكنها بالتأكيد ليست خارج المعادلة.

ما نشهده اليوم هو «تقسيم وظيفي» بحكم الأمر الواقع: مناطق نفوذ تتوزّع بين قوى محلية ودولية، وكل جهة توظّف هذا الواقع بحسب مصالحها.

السعودية تسعى إلى تحجيم النفوذ الإيراني في الجنوب والشرق السوري، خشية تشكّل ممر بري من طهران إلى بيروت.

الإمارات تنظر بقلق إلى الوجود التركي في الشمال، خصوصاً مع تعاظم دور الإسلام السياسي الذي تعتبره تهديداً مباشراً.

قطر تُبقي على مصالحها مع المعارضة وبعض الفصائل المدعومة تركياً، ولو أن مشروع الإخوان تراجع كثيراً.

الأهم أن الخليج ينظر إلى إعادة الإعمار كساحة نفوذ سياسية واقتصادية.

الدخول إلى هذه الساحة يتطلّب بيئة «مستقرة» حتى ولو كانت مفككة. بل إن بعض الدول الخليجية ترى في «الدولة الضعيفة – الوظيفية» حلاً مثالياً لضمان مصالحها من دون تهديد التوازن الإقليمي.

وفيما يخص التقسيم كأداة تفاوض؟ يقول جواد الصايغ، الكاتب والمحلل السياسي المختص بالسياسات الأميركية والشرق أوسطية، بإن فهم مشروع التقسيم الإسرائيلي لا يمكن أن يتم بمعزل عن التطورات في السويداء:

قبل الخوض في الحديث عن سعي إسرائيل لتقسيم سوريا أو خلق كيانات طائفية، لا بدّ من فهم دينامية التدخّل الإسرائيلي في الجنوب، وتحديداً في السويداء. فإسرائيل، في المرحلة الأولى، دخلت لحماية الأقلية الدرزية هناك، وهو ما تعتبره جزءاً من أمنها الاجتماعي والاستراتيجي.

المثير فعلاً أن الشرع لم يعارض هذا التدخّل بل ذهب أبعد من ذلك: تفاوض مع الإسرائيلي وبدأت بعض القوى بتقديم تنظيمات تتعاون معه، في محاولة لاستثمار هذا الرضا الإسرائيلي لتطويع مكوّنات الداخل السوري، سواء الدروز، أو الأكراد، أو حتى بعض السنّة المعتدلين.

وبالتالي، قبل أن نتحدث عن «تقسيم» أو «انفصال»، علينا أن نفهم كيف تحوّلت بعض القوى المحلية إلى أدوات تفاوض مع تل أبيب، وليس مجرد ضحايا لسياساتها.

الأخطر، كما يرى الصايغ، أن سيناريو «7 أكتوبر» لا يزال حيّاً في الذاكرة الإسرائيلية، خصوصاً مع التمرّدات الأخيرة داخل سوريا، سواء من العشائر أو من بعض تشكيلات الجيش.

هذا القلق الإسرائيلي يدفع نحو تقسيم جزئي أو تفتيت وظيفي لسوريا، كوسيلة وقائية لضمان الأمن ومنع تكرار سيناريو غزة.