Site icon IMLebanon

“حزب الله” ووهم شراء الوقت

 

كم كان موفقاً رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، حين وصف الأمين العام لـ “حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم، بالمقاتل الذي ظنّ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أن الحرب لا تزال مستمرة. الوصف دقيق إلى حدّ بعيد، إذ يُجسّد حالة سياسية ونفسية يعيشها “الحزب”، تتلخص في القطيعة التامة مع الواقع، والارتهان لزمن انتهى دون أن يدرك “الحزب” ذلك.

 

“حزب الله” اليوم، كما ذلك المقاتل المعزول، يبدو وكأنه في شرنقة صنعها بيده. يتحدث بلغة لا يفهمها أحد، ويخاطب جمهوراً يتناقص، ويعيش على وقع خطابات تعود إلى زمن “الانتصارات الإلهية” والمقاومة التي “لم تُهزم”. لكن الواقع مختلف تماماً، فـ “الحزب” بات كمن يصارع الفراغ، لا الخصوم، ويقاتل الوهم، لا الأعداء.

 

 

في هذا السياق، تبرز العلاقة مع الرئيس جوزاف عون كنموذج صارخ للانفصال عن المنطق. فالرئيس، كما تؤكد المعطيات الداخلية والدولية، هو الجهة الوحيدة التي لا تزال مستعدة لأن تسمع صوت “الحزب” وتبادر إلى الحوار معه في الحد الأدنى. ومع ذلك، يتصرف “الحزب” وكأن هذه العلاقة من المسلّمات، لا من الفرص التي يجب الحفاظ عليها. يتمادى في فرض الشروط، ويوجه الإملاءات، متجاهلاً أن من يُنقذك لا تُعاديه.

 

 

 

ثمة نافذة ضيقة لا تزال مفتوحة أمام “الحزب”، وهذه النافذة يفتحها الرئيس جوزاف عون، لكنه – أي “الحزب” – يصرّ على إغلاقها، غير مدرك أن ما يترتب على هذا الإغلاق ليس سوى انقطاع في الهواء، وخطوة انتحارية محققة.

 

 

المفارقة الكبرى أن كل مسؤول يرفع سقف المواجهة مع “حزب الله” يكتسب مزيداً من المصداقية داخلياً وخارجياً، فيما يخسر من يمالئه، سياسياً وشعبياً، ويتآكل رصيده في لعبة استرضاء بلا جدوى.

 

 

وهم شراء الوقت الذي يعيشه “حزب الله” لم يعد صالحاً. المتغيرات عميقة، واللحظة اللبنانية، كما الإقليمية، لا تحتمل مزيداً من المراوحة. “الحزب” يخسر أوراقه تباعاً، وبدل أن يراجع خياراته، ينغمس أكثر في إنكار الواقع، ويراهن على زمن انتهى.

 

والأخطر من ذلك كله، أن اللبنانيين هم من يدفع الثمن: من أمنهم، واقتصادهم، ومستقبلهم.