Site icon IMLebanon

سعر الصرف “يشعل” الشارع اللبناني من جديد

 

المطلوب تخفيف الخطابات والمحاصصة والذهاب إلى بناء دولة عن طريق خطة اقتصادية

 

 

“الى أين سيصل الدولار بعد؟”، سؤال متداول بكثرة في الشارع اللبناني وخاصة بعدما فوجئ الشعب بالارتفاع الجنوني الذي شهده الدولار فور انتهاء الانتخابات النيابية في منتصف الشهر الحالي. في وقت كانت كل التوقعات تدل على حتمية انخفاض سعر الصرف، بعدما سجلت الانتخابات نتائج ايجابية. فما هو مصير الدولار؟ وهل هذه مؤامرة سياسية، في ظل غياب أي أسس علمية لإرتفاعه؟

 

إستقر سعر صرف الليرة في السوق السوداء قبل الانتخابات على حوالى 26 ألفاً للدولار الواحد، “إلا أنه عاد وتدهور مباشرة بعد النتائج الانتخابية”، يقول عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي د. أنيس بو دياب، “وذلك وسط مخاوف من شلل سياسي، وبالتالي إن نصف ارتفاع الدولار اليوم ناتج عن أزمة سياسية. ونعني بذلك أن هناك فئة من المنظومة السياسية غير الراضية عن نتائج الانتخابات، مسؤولة عن هذا الارتفاع الجنوني”. ويشير بو دياب على ضرورة انعقاد جلسة لمجلس النواب لإنتخاب رئيس لها، ويرى أنه كان من المستحسن عدم تأجيل الجلسة للثلاثاء المقبل، وذلك لتسريع خطوات الإصلاح ولإعطاء فسحة أمل للشعب اللبناني”.

 

العوامل الخارجية والداخلية

 

“وبعد ثلاثة أعوام من بداية الأزمة في لبنان، وصلت مستويات التضخم الى حدود 1000 بالمئة دون سعي المسؤولين في لبنان لإيجاد الحلول اللازمة”، يقول د. باسم البواب، وهو استاذ محاضر بالاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت، “وما يزيد التضخم في لبنان، هو ارتفاع معدلات التضخم في العالم أجمع متأثرة بأزمة كورونا التي ما زالت حتى اليوم مستمرة، وكذلك طبع تريليارات الدولارات من قبل المصارف المركزية في كل من اوروبا، اميركا، الصين وغيرها، إضافة الى ازدياد اسعار الشحن العالمية التي قد وصلت إلى اكثر من 10 اضعاف من معدلاتها السابقة، ارتفاع اسعار السلع الاولية بسبب الحرب الروسية الاوكرانية، وأخيراً ارتفاع اسعار النفط والغاز بسبب ارتفاع الطلب العالمي. أما العامل الداخلي والمرتبط بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، خاصة بعد الانتخابات النيابية، حيث ان المصرف المركزي كان قد اقر آلية لاتاحة الدولارات للعموم، ما ساهم بوقف حدة تراجعات الليرة باجراء غير قابل للاستدامة بعد ان كلف “المركزي” عشرات ملايين الدولارات يومياً، فيما التقديرات الحقيقية للاحتياطي بالعملات الاجنبية المتبقي لدى “المركزي” تشير الى انه لا يتخطى 8 مليارات دولار. ومع استمرار استنزاف الاحتياطي لدى “المركزي” لتمويل استيراد المحروقات والادوية ولو بحسب سعر منصة صيرفة، ستشهد الليرة مزيداً من الخسائر ما سيدفع بدوره مستويات التضخم الى مزيد من الارتفاع”.

 

 

 

غياب شامل لمؤسسات الرقابة!

 

“إن إرتفاع أسعار النفط عالمياً المتزامنة مع انهيار سعر الصرف في لبنان يؤدي الى انهيار القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني”، يقول بو دياب، و”اليوم يعجز الكلام عن التعليق عما يحصل من تخبطات في الاسعار امام هذه السلطة الحاكمة. حيث إن همها الوحيد هو المحاصصة، دون الالتفات الى الأمور الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وإضافة الى ذلك، إن غياب الرقابة وانهيار المؤسسات تزيد من ظاهرة “فلتان الاسعار”. فلا من يحاسب التجار، والمستهلك راض بهذه الاسعار، والتاجر لا يهمه الا تحقيق الأرباح”. ويمكن هنا طرح سؤال أساسي: لماذا ما زالت السلع تسعّر على أساس دولار السوق السوداء، بينما التاجر يشتري دولاراته عن طريق منصة صيرفة؟ (أي على 24600 ليرة للدولار الواحد). ” 64 مليون دولار كان التداول على منصة صيرفة بتاريخ 26 أيار المتخصصة للمحروقات”، يقول بو دياب، “ولكن نرى أن الاسعار تحدّد على أساس سعر السوق السوداء. وكذلك، إن مجمل السلع الغذائية يتم استيرادها عن طريق منصة صيرفة (حوالى 70 بالمئة من مجمل فاتورة الاستيراد)، أي على أساس 24600 ليرة للدولار الواحد، ومن 10 أيام كان سعر دولار صيرفة 22600 ليرة، ولكن ما زال التاجر يعتمد دولار السوق السوداء. كل هذا نتيجة غياب شامل لمؤسسات الرقابة”.

 

قواعد أساسية لعدم الانخفاض

 

“إن مرونة ارتفاع الاسعار اسرع من مرونة انخفاضها”، يقول بو دياب، “ما يعني أن كل ارتفاع لسعر الدولار يؤدي تلقائياً الى ارتفاع أسعار السلع، أما انخفاضه فلا يغير بشكل تلقائي أسعار السلع، خاصة لأن التجار يتحججون بشرائها على دولار مختلف. وفي حال شهدنا تحسناً في سعر الصرف وتراجع الدولار، سيكون هناك تراجع واضح في أسعار المحروقات كونها مرتبطة بجدول، أما بالنسبة للسلع الغذائية فهي لا تنخفض بنفس الوتيرة كالمحروقات، ويكون التراجع بشكل بطيء. وهذا يعود لعدم استقرار الوضع في لبنان، فلا يستطع التاجر أن يتنبأ ما سيحمل المستقبل، لذلك يبقى متحوّزاً ويبيع على الأسعار العالية”.

 

المطلوب اليوم من المسؤولين تخفيف الخطابات والمحاصصة والذهاب فعلياً الى بناء دولة عن طريق خطة تعاف اقتصادية حقيقية. ولكن للأسف لا توجد إرادة سياسية لتحسين الوضع، ويبقى المواطن اللبناني الحلقة الأضعف. فهل نحن اليوم في المرحلة الأخيرة من الأزمة؟ أو أن الأصعب لم يأت بعد؟ ولطالما اعتدنا منذ بدء الازمة على الارتفاع التدريجي للدولار، ولكن لأول مرة يرتفع الدولار لمعدلات غير مسبوقة وبشكل جنوني وسريع.