ممَّا لا شك فيه أن اسرائيل نجحت في بداية الحرب في تحقيق مفاجأة استراتيجية على ايران من خلال الخديعة التي حققتها بإقناع جميع القيادات السياسية والعسكرية الايرانية بأن اسرائيل لن تهاجمها في ظل القبول الاميركي لعقد جلسة سادسة من المفاوضات معها في مسقط بعد ايام معدودة. وكانت النتائج المباشرة لهذه الخديعة مزلزلة، حيث لم تتخذ القيادات اي احتياطات عملانية او امنية، فحدثت الصدمة الكبرى، والتي ادّت الى نتائج كارثية ميدانياً، وخصوصاً لجهة النجاح في قتل القيادات العسكرية العليا او لجهة اغتيال نخب العلماء في مجال الطاقة النووية، بالاضافة الى تدمير عدد من الاهداف الاساسية، او تدمير انظمة الدفاع الجوي والتي كان يعوّل عليها لحماية المواقع النووية.
بات من المعلوم للجميع بأن اسرائيل بدأت هذه الحرب بعد الحصول على موافقة اميركية صريحة، وذلك من خلال اتصال رئيس الحكومة الاسرائيلية بالرئيس الاميركي حيث اطلعه على الخطة للحصول على موافقته، بعد ما يزيد على عقد ونصف من المحاولات المتكررة نجح نتنياهو في الحصول على ضوء اخضر اميركي بشن هجوم واسع ضد المشروع النووي الايراني. ولا بد هنا من التوقف والتساؤل عن النتائج الخطيرة التي يمكن ان تترتب على الموافق ةالاميركية على بداية هذه الحرب والتي لا يمكن التنبؤ بنتائجها او موعد نهايتها، وذلك قياساً على المدة التي استغرقتها الحرب بين ايران والعراق، والتي استمرت لمدة ثماني سنوات رغم الخسائر الكبرى التي دفعتها ايران.
تؤشر آخر التصريحات للرئيس ترامب بعد عودته من قمة الدول السبع في كندا الى امكانية ان تدخل الولايات كشريك لاسرائيل في هذه الحرب، حيث يقول: «سنتحرك بشكل حازم ضد ايران اذا هددت مصالحنا، وأن الهدف الذي نسعى اليه هو استسلام ايران الكامل»، يدعو هذا التصريح للتساؤل حول وجود قرار اميركي جاهز للمشاركة في الحرب، مع الأخذ بعين الاعتبار تصريحات وزير الدفاع الاميركي حول الاستعدادات والتحضيرات للقوى الاميركية للتدخل جوياً في هذه الحرب سواءٌ من خلال نقل عشرات طائرات التزود بالوقود الى بلدان حوض المتوسط، بالاضافة الى ابحار حاملة الطائرات نيميتز من الشرق الاقصى الى مقربة من مسرح العمليات الايراني، ترافقها قوة بحرية كبرى تملك القدرات اللازمة صاروخياً للدفاع والهجوم.
من المسلّم به ان الولايات المتحدة هي الآن شريك في الدفاع عن اسرائيل ضد الهجمات الصاروخية الايرانية، وتشاركها في ذلك بعض القوى الاوروبية والعربية. لكن المشاركة في الهجوم داخل ايران سيدفع ادارة ترامب لبذل الجهود اللازمة لتشكيل تحالف عسكري تشارك فيه القوى الاوروبية الرئيسية بالاضافة الى بعض القوى الاقليمية المتحالفة مع واشنطن. من المبادئ العامة في نظريات الحرب بأن الحشود العسكرية تؤدي دائماً الى اندلاع الحرب، ومن هنا فإن الحشود الجارية اميركياً بحرياً وجوياً ولوجستياً ستؤدي حتماً الى دخول الولايات المتحدة كشريك اساسي لاسرائيل في هذه الحرب المعلنة ضد ايران.
من المبكر تصوّر المسار الكامل لهذه الحرب، ومتى وكيف ستكون نهايتها، خصوصاً اذا ما فشلت الدبلوماسية الاميركية في اعتماد مقاربة حكيمة لدعوة ايران واقناعها باستئناف المفاوضات الدبلوماسية بحثاً عن وقف لاطلاق النار والتمهيد لايجاد حل للموضوع النووي، تقبل به ايران، لانه في رأينا سيكون من الصعب اقناع الايرانيين بالتخلي كلياً عن عمليات تخصيب اليورانيوم. فالشعب الايراني باكثريته الساحقة يدعم مشروع امتلاك ايران للتكنولوجيا النووية. من هنا تبدو استحالة قبول الدولة الايرانية بصفر تخصيب، وفق المطلوب الاميركي.
عبّر ترامب قبل مغادرته كندا اول امس عن رغبته في استسلام ايران قبل مشاركته في الحرب من خلال دعوته لاخلاء طهران من سكانها البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة، وهي بالفعل في مفاعيلها السياسية تعني تخلي ايران عن سيادتها، واستسلام فعلي لادارة اميركا. ويستعجل ترامب من خلال هذه الدعوة ان تكف القيادات الايرانية عن مقاومة الهجمات الاسرائيلية، ووقف هجماتها الصاروخية على اسرائيل، وذلك في محاولة بائسة لمنع انزلاق الصراع بين ايران واسرائيل الى ارض غير معروفة، ونتائج كارثية، في حال طالت الحرب لبضعة اسابيع.
في رأينا هذه الحرب مرشحة لكي تطول لأسابيع او اشهر وحتى لسنوات، وهذا ما يؤشر اليه غموض الاهداف التي يسعى اليها كُلٌّ من الطرفين الاسرائيلي والايراني.
يطرح غموض الاهداف الاسرائيلية تساؤلات حول قدرة اسرائيل على تدمير البرنامج النووي الايراني والذي يتوزع على ما يقارب خمسين موقعاً، موزعة في طول وعرض البلاد والتي تبلغ مساحتها ما يزيد عن مليون وستماية وخمسين الف كيلومتر مربع، ناهيك عن موقع توردو والذي من المشكوك فيه قدرة اسرائيل واميركا على تدميره لوجوده محفوراً داخل جبل.
في النهاية يبقى السؤال الابرز حول مدى ادراك ترامب وحكمته لاستعمال الدبلوماسية لوقف هذه الحرب ووقف تداعياتها على الاقتصاد العالمي وعلى امن منطقة الشرق الاوسط.
* مؤلف كتاب ايران والقنبلة النووية – الطموحات الامبراطورية
