أي ادارة حكومية جدية ومسؤولة تحتاج الى خبرات اقتصادية كفؤة تدلها على الطريق الصحيح أو تنصحها باتجاه سياسات تكون في مصلحة الاقتصاد العام والشعب. في الدول المتقدمة اقتصاديا هنالك مؤسسات عامة تقوم باعطاء الاستشارات والقيام بالدراسات المطلوبة والمناسبة التي يحتاج اليها البلد. في الولايات المتحدة مثلا هنالك مجلس المستشارين الاقتصادينن المؤلف من 3 أشخاص مع عدد من الموظفين يقومون بارشاد الرئيس حول السياسات والقرارات التي يحتاج اليها الاقتصاد. هنالك مؤسسات رسمية أخرى متخصصة أكثر تقوم بواجبها الاستشاري التفصيلي لصالح الادارة.
في عدد من الدول الأوروبية هنالك مستشارون معظمهم من أساتذة الجامعات يعطون رسميا النصائح لرئيس الدولة أو لرئيس الحكومة لتحقيق نتائج فضلى لصالح الشعب. في معظم الدول النامية والناشئة لا تؤخذ الاستشارات جديا اذ يعتبر السياسيون عموما أنهن يفهمون أكثر من المستشارين وبالتالي لا حاجة للاستماع اليهم وخاصة لا حاجة للسير بما يقترحون. هذه مشكلة نضوج قبل أن تكون مشكلة جهل أو معرفة بالأشخاص الذين يعملون معهم.
للموضوعية وعالميا وحتى في الدول المتقدمة، يقدم الاقتصاديون العديد من النصائح التي يتم تجاهلها. فهل هي مشكلة السياسيين أو مشكلة الكفاءة عند الاقتصاديين؟ يقول الأستاذ «ألان بلايندر» المتخصص في هذه المواضيع والخبير في الشؤون الاستشارية أن المشكلة مزدوجة:
أولا: يجب على الاقتصاديين أن يحسنوا طريقة تخاطبهم مع السياسيين أي يقللوا من استعمال العبارات التقنية ويستعملوا التخاطب العام العادي كي يحسن السياسيون فهمه. فالسياسيون يمكن أن يكونوا أطباء أو فنانين أو حرفيين وبالتالي من الممكن أن لا يفهموا التقنيات الاقتصادية حتى البدائية منها. اذا هنالك جهد يجب أن يبذل من قبل الخبراء خاصة وأن أكثريتهم تأتي من الجامعات ويتقنون التقنيات أكثر بكثير من الخطوات العملية والتطبيقية.
ثانيا: المطلوب من السياسيين أن يحسنوا معلوماتهم الاقتصادية أي الاقتصاد البدائي كي يتم التخاطب مع الاختصاصيين بسهولة أكبر. في بعض الدول الأوروبية والأميركية يأخذ السياسي بعض الدروس في الاقتصاد كي يستطيع القيام بعمله على أفضل وجه. أيننا نحن في دولنا النامية من هذا التصرف الناضج الذي ينعكس عاجلا أم آجلا ايجابا على مصالح الشباب ومستقبلهم.
ما يحصل في دولنا النامية أن السياسيين يستعملون الخبرات الاقتصادية ليس لتحسين قراراتهم وانما لتبريرها، خاصة عندما لا تكون مدروسة أو منطقية. تشير الدراسات الأميركية الى أن اجماع الخبراء على مواضيع معينة يكون عموما في الجهة المقابلة لاجماع السياسيين من مختلف الأحزاب وهذا يدعو للدهشة بل للحزن وينعكس على التطبيق. من هي الضحية؟ المواطن حتما وهذا هو الحال في كل الدول بدرجات أقل أو أعلى تبعا للأوضاع والحالات. هنالك واقع وهو أن السياسيين والاقتصاديين يتكلمون لغات مختلفة أي عمليا يأتون من حضارتين مختلفتين بل متناقضتين أحيانا.
هنالك 4 عوامل تحدد تصميم السياسات الاقتصادية: 1. السياسات العليا العامة أي اتجاه الحكم في المبدأ نحو اليمين أو الوسط أو اليسار. 2. الرسالة التي يريد السياسيون ارسالها للداخل كما للخارج والآليات التي يمكن اتباعها لايصال الرسائل. 3. كيف يمكن تقوية المحتوى كي يكون مقبولا بل مرغوبا به من السياسيين كما من المواطنين؟ 4. ما هي العوامل التي تسهل أو تعرقل وصول السياسات الاقتصادية الى شواطئ الآمان؟
أهم عوامل تسهل أو تعرقل ربط الحكم بالشعب من الناحية الاقتصادية هي أولا الجهل أو المعرفة وثانيا العقيدة أو العقائد التي تمنع المواطن من النظر بموضوعية الى السياسات المقترحة. فالعقيدة مهمة لكن يمكن أن تكون مضرة اذا تشبث الانسان بها ولم يعد يحلل أو يفكر موضوعيا. ثالثا، هنالك تكتلات أو قوى تتجمع لتوجيه السياسات نحو مصالحها حتى لو تضررت أكثرية المواطنين. فأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية هم عموما أقوياء ويديرون الأمور كما يشتهون. اذا نظرنا الى الأوضاع الاقتصادية والادارية والسياسية في دولنا النامية، يتبين لنا بوضوح ما المقصود. لمواجهة كل هذه الأمور، الثقافة الاقتصادية تصبح ضرورية جدا لتقوية المنطق والوصول الى تأمين مصالح المواطن العادي الذي يحتاج الى المساعدة. باختصار السياسيون يعملون عموما على المدى القصير، فهذا أهم لهم لتأمين المصالح واعادة الانتخاب. الاقتصاديون يعملون عموما على المدى البعيد اذ تتوضح الرؤية أكثر ويمكن تصميم وتنفيذ المشاريع الاقتصادية بسهولة أكير.
هنالك 3 عوامل تبقى في غاية الأهمية وهي تنظيم محتوى ومنطق الدراسات بحيث تفهم من قبل الجميع. العامل الثاني هو نجاح الجميع في ايجاد الحل العملي بين المنطقين السياسي والاقتصادي، وهذا ممكن لكن يتطلب الكثير من المعرفة والنضج والتعلق بمصلحة المجتمع فوق المصالح الخاصة. أما العامل الثالث فهو توقيت تنفيذ السياسات اذ أن سياسات جيدة تفشل اذا طبقت في أوقات غير مناسبة وسياسات مقبولة تنجح اذ طبقت في أوقات مناسبة للدولة.
أخيرا، ما هي المقترحات التي يمكن تقديمها لتحسين الاداء السياسي العام وخاصة في الجانب الاقتصادي؟ أحيانا لا بد من تعديل بعض جوانب النظام السياسي بحيث تتم معالجة العقبات الموجودة داخله. المطلوب من السياسيين التفكير أقل على المدى القصير، كما المطلوب من الاقتصاديين التفكير أكثر على المدى القصير للتلاقي في الأهداف والخطوات والتنفيذ. يجب على الاقتصاديين أن يتكلموا بلغة بسيطة تفهم أمام عموم الناس وبالتالي يتم التواصل معهم بشكل أسهل. فالتخاطب في كل الاتجاهات مهم في الدول الديموقراطية اذ عليه تبنى الحريات. الحقيقة أن المواطن العادي لا يتصرف في الحياة العملية تماما كما تعلمنا وندرس في كتب الاقتصاد وبالتالي علينا التأقلم مع الواقع والحقيقة. أهم شيء في العلاقة بين السياسيين والاقتصاديين التركيز على الأمور الأهم قبل المهم أي مصالح المواطن ومستقبل الأجيال.
