Site icon IMLebanon

الانتخابات النيابية: بدايات… ومراحل (9)

من أجل قانون انتخابات أكثر ديمقراطية وتمثيلاً وعدالة

 

التزوير في الانتخابات متأصل في لبنان، منذ أن بدأت تتشكل طبقته السياسية في زمن القائمقاميتين، فعند ولادة هذا النظام في العام 1841 قامت الخلافات بين «الزعماء» انئذٍ حول اختيار القائمقامين وتحديد صلاحيات كل منهما، وفي رسم الحدود بين «الدويلتين» وتدخل القناصل في هذه الخلافات، يناصر كل منهم الفريق المنضوي تحت لواء دويلته.

 

ومع جعل مجلس قائمقامية لكل «دويلة» بدأت أعمال التزوير والبلف، واستمرت مع نظام المتصرفية 1861، وكثيرة الحكايات عن أعمال الشراء والبيع للوصول إلى مجلس إدارة جبل لبنان، نذكر منها:

 

أنه مع بدايات القرن الماضي – وتحديداً في العام 1905 – انتهت عضوية نائب زحلة يوسف البريدي، ولما كان المتصرف مظفر باشا يرغب في إقصائه للتخلص من معارضته فقد قرر أن يحاربه ويمنع وصوله.

 

في تلك الايام البعيدة.. أمر مظفر باشا قائمقام زحلة: إبراهيم أبو خاطر – وهو بالمناسبة والد الوزير والنائب والسفير الراحل: جوزيف أبو خاطر- بأن يبذل جهده لإنجاح مرشح آخر، والعمل دون نجاح البريدي.. وإلا خسر منصبه.

 

احتار أبو خاطر ماذا يفعل؟ وأخيراً أرسل ندرة المطران إلى المتصرف ليبلغه: «إذا كنت جاداً في إقصاء يوسف البريدي، فرشح ضده منافساً آخر له من وزنه، فقد نتمكن من اكتساب الحياديين.

 

وهنا اختار مظفر باشا، إبراهيم مسلم – مدير قلم الأوراق في المتصرفية كما سبق له أن مثل زحلة في مجلس الإدارة الكبير-  فأمره بأن يخوض المعركة، وإلا أقاله من وظيفته.

 

امتثل الرجل للإرادة  المتصرفية، وشهدت زحلة يومها معركة حامية، ولكن كان هناك حمية وطنية انتصر فيها يوسف البريدي على مرشح الحاكم والمال.

 

يذكر أن النواب في زمن المتصرفية، كانوا ينتخبون من شيوخ الصلح أو شيوخ القرى، المنتخبون بدورهم من الأهالي، وفقاً للتقسيمات الإدارية التي جعلت من نظام المتصرفية سبعة أقضية.

 

ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام: أن الذين كان يجري انتخابهم كان يتم وفقاً لأوامر المتصرف أو انصياعاً لرغبات القناصل أو رؤساء الدين، وقلما كن يترك لشيوخ الصلح حريتهم لاختيار من يرونه مناسباً.

 

وكان مشايخ الصلح ينتخبون في معظم الأحيان من الأميين أو من الذين اعتادوا على التزلف، وبالتالي.. كانوا لا يحسنون انتقاء الأكفاء حتى لو تركت لهم حرية الانتخاب.وعلى هذا المنوال قرر نقولا غصن أن يكون نائباً عن قضاء الكورة عام 1913، بدلاً نم جرجي تامر الذي كان نائباً منذ العام 1907.

 

وكان غصن يشغل منصب مدير الناحية الوسطى من نواحي الكورة، التي تقع إلى جوارها قرية تامر، فاعترض أنصار الاخير.. بأن يستمر غصن مديراً في الناحية المذكورة، لأن من شأن ذلك أن يؤثر في شيوخ الصلح فينختبون رئيسهم المباشر.

 

يومها اعترض أيضاً قنصل روسيا، بحجة أنه يحمي مصالح الأرثوذكس في الجبل اللبناني، كما كان قنصل فرنسا يزعم حماية مصالح الموارنة، وقنصل الإنكليز يحمي مصالح الدروز.

 

استجاب المتصرف اوهانس باشا للطلب الروسي.. وليس لطلب أنصار تام وأصدر فوراً قراراً بإقالة غصن من منصبه.

 

كان التنافس في الكورة على أشده، واستطاع نقولا غصن أن يفوز بـ52 صوتاً، مقابل 42 لجرجي تامر، وقد أحدث هذا الفوز دهشة عظيمة، لأن تامر كان صاحب سيرة جيدة، ولم يتلكأ طوال ست سنوات من عضويته في مجلس الإدارة عن خدمة ناحيته ومواطنيه، وذلك بسبب نصرة غصن من المتصرف من جهة، ودعم قنصل فرنسا له من جهة ثانية، إضافة إلى دعم النائب البطريركي الماروني المطران عبد الله الخوري له، الذي أوعز إلى جميع شيوخ الصلح الموارنة بتأييد غصن.

 

يذكر هنا أيضاً: أن المطران بطرس شبلي تدخل إلى جانب صديقه محمد صبرا في المتن وهو جد النائب الراحل بشير الأعور، كما تدخل المطران الخوري إلى جانب غصن، وكل ذلك بتدبير من قنصل فرنسا الذي اطمأن إلى حياد صوتين في مجلس الإدارة، حيث كان من المفروض أن يماشي تامر قنصل روسيا، فيما المرشح الدرزي المنافس لصبرا  كان سيجاري القنصل الإنكليزي.

 

ويروي الرئيس سامي الصلح كيف أسقط عام 1914 – حينما ترشح إلى مجلس المبعوثين- المجلس النيابي للسلطنة العثمانية- فيقول: تلقيت دعوة من جماعة من أعيان بيروت، قرروا أن يرشحوني للانتخابات النيابية، وبما أن سن المرشح كان يجب أن تكون ثلاثين عاما، فقد طلبوا مني أن أتقدم من دائرة النفوس بطلب لتغيير سني وزيادتها بضع سنوات فأصبحت من مواليد 1885.

 

يتابع: ذهبت في زيارة إلى والي بيروت بكر سامي بك وأعلمته بالترشيح، فقال لي: «إنني سعيد جداً بدعم ترشيحك لنيابة بيروت».

 

ويشير الرئيس سامي الصلح إلى سلسلة نصائح وجهها إليه بكر سامي بك: «أنتم اللبنانيون.. فقدتم استقلالكم منذ بضعة قرون» مضيفاً لا تعيروا آذانكم إلى تجار السياسة ومستغلي الوطنية، لكنني سوف أشتتهم، وسأرمي إلى كل واحد منهم بعظمة.

 

(من مذكرات سامي بك الصلح – الطبعة الاولى – 1960 – ص22).

 

«خشي أخصامي الأغنياء أن يفقدوا حصتهم من قالب الحلوى، فذهبوا إلى اسطنبول، حيث توصلوا بعد المداخلات وما إليها.. إلى إقناع المسؤولين بضرورة إقصائي عن الحكم».

ad

 

ويتحدث الرئيس سامي الصلح عن تلك الانتخابات فيقول: «يوم الاقتراع نلت أكثرية الأصوات في كل مكان تقريباً.. ولكن نتائج الانتخابات زورت».

 

يتابع: «فعلت كما يفعل كل مرشح خاسر، انحزت إلى المعارضة دون أن أنسى رفع مظلمتي إلى بكر سامي بك، وتلفظت بكلام عنيف نحو المزورين وقلت له: «ميداس للملك.. ميداس: أذنا حمار».

 

دعونا نسأل: ماذا تغير بين تلك الأيام، وما بعد قيام لبنان الكبير، وبدء الحياة النيابية في العام 1925، ومن ثم بعد الاستقلال عام 1943، حيث صناديق الاقتراع في ظل قوانين الانتخاب التي سادت أو السائدة لن تنتج سوى نفس الوجوه، وبالتالي الأزمات ستبقى مستمرة؟!

 

للإجابة على ذلك، لا بد من وعي وفهم أهمية الإصلاح السياسي وخصوصاً قانون الانتخاب، بمعنى ادق، فإن الحل هو بإصلاح يرتكز إلى تطوير الدولة وبناها ومؤسساتها التي تجعلها دولة حقيقية، لوطن يستحقه أبناؤه، فالإصلاح يجب أن يرتكز على تعزيز الديمقراطية وآلياتها، حتى لا نبقى أسرى العقليات الضيقة والمصالح والمغانم الخاصة، فقبل الطائف على سبيل المثال لا الحصر، كان زعيماً سياسياً إقطاعياً يباهي بأنه يستطيع أن يوصل 12 عصا إلى البرلمان، فهل تغير فيما بعد شيء؟!

 

الكسي دوتوكفيل (1805 – 1859 وهو منظر سياسي فرنسي أهتم بالسياسة في بعدها التاريخي، ومن آثاره «الديمقراطية الأميركية 1853 – 1840»، «النظام القديم والثورة 1856») كان يقول: «ان الديمقراطية مثل أولاد الأزقة تربي نفسها بنفسها» ترى هل استفدنا من التجارب. حتى لا تتكرر تجربة 12 نائبا مثل العصا.