Site icon IMLebanon

في وظيفة الانتخابات

 

 

في منطق الأشياء تعتبر الانتخابات وسيلة رقابية تقرّها الدساتير كحق من الحقوق السياسية، تمنح الشعوب القدرة على الاختيار، كذلك محاسبة السلطة، كل سلطة. وهي بهذا المعنى ليست ولعاً انتخابياً، بقدر ما هي حاجة في سياق التغيير السلمي، كوسيلة تكوينية للحكم سلطة ومعارضة معاً. وبينما هي كذلك في اغلب دول العالم، يأتي في لبنان من يشوه المعنى الحقيقي للانتخابات، بحيث يتم تنميطها على انها هجوم امبريالي عالمي يراد منها تصفية الحسابات.

 

ومع أن “حزب الله” يملك كل اسباب التفوق، مقارنة بحلفائه قبل خصومه، إن لناحية المال، أو القوة والتأثير، أو الكتلة الجماهيرية الوازنة التي تميل حيث يميل، فضلاً عن سلاحه المتنوع كمّاً ونوعاً، مع ذلك نراه عند كل مناسبة انتخابية، حزباً مرتبكاً وخائفاً، من خلال الخطاب العنفي الذي يصدر عن قياداته تجاه خصومه المنافسين له انتخابياً، مستعملاً لغة عنفية اقصائية، مستغربة وغير عقلانية، تُخرج الانتخابات من كونها فرصة للمنافسة الشريفة، ووسيلة لتكوين السلطة، بصرف النظر عن حيثية، وجدية الآخرين في كسر ما هو سائد.

 

فلطالما تلازم خطابه عند كل استحقاق انتخابي، باتهامات “ماناوية”، تصور الانتخابات على أنها تدور بين فئة تمثل الحسين وأخرى تمثل يزيد، او بين شياطين وملائكة، او بين عملاء ووطنيين، الخ. في حين أن الانتخابات ومرتكزاتها تتعلق بشروط ديمقراطية تقوم على الحرية في التبشير السياسي للافكار والبرامج، والمساواة في كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية من التنافس الحر، الذي يؤكد على أننا في خضم تنازع حقيقي على الاقتراع، لا مجرد مبايعة، وتكريس ما هو مكرس.

 

ووفق هذا المعيار لا توجد قوة في لبنان، قد يصنفها “حزب الله” في خانة الخصوم، بإمكانها أن تمارس حقها في القيام بحملة انتخابية متكاملة في مناطق سيطرته، إن لناحية فتح مكاتب انتخابية، او لصق إعلانات خاصة بها، أو توزيع منشورات لبرامجها السياسية، لفتح آفاق امام الناخبين في الاختيارات الانتخابية، أشخاصاً او برامج. فنحن في هذا الصدد امام مناطق مغلقة ومحرّمة على الآخرين، إذ ليس في الامر من تجنٍ. بينما هو فمتاح له كل لبنان.

 

نظرياً، تعتبر أولى وظائف الانتخابات، طرح البرامج والرؤى على الرأي العام، وهذا ما يعتبر على انه تقدم للديمقراطية، وتعزيز الثقافة السياسية للناخب. هنا تلعب الأحزاب دوراً مهماً في ذلك، كون البرامج مهمة في بناء التراكم، والدفاع عن حقوق الافراد والجماعات في عملية التغيير، وإضفاء عقلانية في سيرورة تداول السلطة والحد من جموحها، كذلك تشير الى مقبولية الخسارة الانتخابية، باعتبارها مرحلة آنية، وليست نهاية العالم.

 

كذلك ثمة وظيفة سياسية مهمة للاستحقاق الانتخابي، هي الدفاع عن الدستور والدعوة الدائمة لتطبيقه، والكف عن جعله أداة للتعطيل من خلال سلوك طائفي المضمون، الذي يداري نفسه، ويختبئ خلف فكرة الديمقراطية التوافقية التي تم تحريف مضمونها، في صيانة التنوع اللبناني، فجعلوها وسيلة لتكريس حقوق أحزاب الطوائف وقياداتها، واعطائهم الحق الحصري في تقاسم الحصص والمناصب، بينما ولو تمعّنا اكثر في عمق القضية، لتبيّن لنا انه انكار مقصود لفكرة تشكيل حكومة اغلبية، كنتيجة طبيعية، تدخل في جوهر الاستحقاق الانتخابي.

 

لذا المطلوب من قبل القوى الحية والديمقراطية الرافضة، لهذا المنطق الذي يجمع المتناقضات في حكومة واحدة، بحيث يستفيد الجميع من الغنم، ويتهربون من الغنم. فتتحول السلطة الى مكسب طائفي، يقبل امتيازات الحكم، ويرفض تبعات الفشل في وضع سياسات عامة، وجدت السلطة لأجلها. خوض غمار الانتخابات تحت شعار: صاحب الأغلبية يحكم.

 

لقد أثبتت الاحداث، أن الحكومات التي تلُمّ الجميع وفق نتائج الانتخابات، تلغي عملياً مجلس النواب، وتصبح هي الكل بالكل، وأول ما ينتج عنها، عدم قدرة مجلس النواب على المحاسبة والرقابة، كون كل من في المجلس موجود في الحكومة، فكيف تتم المحاسبة، والخصم والحكم واحد؟!.

 

بعيداً عن نغمة تمثيل الطوائف التي هي مصانة في الدستور، لناحية تمثل جميع الطوائف، فلا “شرعية لسلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، نعم، هذا غاية احترام التنوع اللبناني وصيانته، انما لا دخل له في أن الجميع يجب أن يكونوا في مركب الحكومة. فالحكومة التي تتشكل على قاعدة الأغلبية والأكثرية، فيها التمثيل الطائفي والمذهبي والمناطقي، انما أهميتها أنها حكومة برنامج مشترك، يضعه حلف سياسي يملك الأغلبية في مجلس النواب التي تمكنه من اجتياز التصويت، فتتشكل حكماً في وجهها معارضة، لا تقل أهمية عن وجود السلطة.

 

هكذا يستقيم الحكم تحت سقف الدستور الذي حدد هوية لبنان ومصالحه، فيصبح دور الحكومة وضع سياسات عامة، من تأمين مستلزمات العيش الكريم، اما القضايا الحساسة التي تدخل في صلب الهوية اللبنانية وتؤثر عليها، كالتوطين او تعديل الدستور، وغيرها من المسائل الخطرة، فهي أولا مصانة من خلال دور الرئاسات الثلاث، ثم من خلال اغلبيات موصوفة، ثم بالمصلحة الوطنية المباشرة، التي حتماً لا تحميها حكومات التعطيل، المسماة حكومات الوحدة الوطنية.