Site icon IMLebanon

إشكالية القوانين الإنتخابية

 

نسمع ونقرأ في وسائل الإعلام عن تشكيل لجنة نيابية لدراسة قانون الانتخابات النيابية من النوّاب لدراسة قانون الانتخابات هذه اللجنة على ما يبدو تضم أعضاء من مختلف الكتل النيابية (إلياس بو صعب – جورج عدوان – جهاد الصمد – علي حسن خليل – سامي الجميّل – علي فياض – جورج عطالله – أحمد الخير – عماد الحوت – هادي أبو الحسن) مهمتها دراسة وتعديل قانون الانتخابات الحالي، بما في ذلك المقترحات المقدّمة من قبل مختلف الجهات المعنية. أمام هذه اللجنة كما أُفدنا كمركز أبحاث PEAC إجراء دراسة شاملة لقانون الانتخابات الحالي بما في ذلك نقاط القوة والضعف والآثار المترتبة عليه، وبناءً على دراستها ستعمل اللجنة على إقتراح تعديلات على القانون الحالي تضمن اللجنة أن يكون التعديل المقترح مأخوذاً من وجهات نظر مختلفة. فعلاً عقدتْ اللجنة اجتماعها الأول بتاريخ 11 حزيران ووفقاً لوسائل الإعلام التي تابعتْ الاجتماع «لم تكن الأجواء إيجابية».

من المفترض وإستناداً للنظام البرلماني أن تقوم اللجنة بإجــراء سلسلة من النقاشات والدراسات، كما الإستماع إلى خبراء وأكاديميين ومسؤولين سياسيين مستقلين لتشكيل رأي واضح بشأن قانون الانتخابات، كي تستطيع هذه اللجنة إن صدقت النوايا من تقديم توصياتها ومقترحاتها إلى مجلس النواب الذي بدوره سيقوم ببحث هذه التوصيات وتقييمها.

 

من المتعارف عليه وإستلهاماً للنظام الديمقراطي يشمل النقاش حول إشكالية القوانين الإنتخابية التحدّيات في التطبيق على سبيل المثال عدم المساواة في تمثيل الدوائر وتأثير الصوت التفضيلي وتعقيد العلميات الإدارية إضافة إلى أن القانون الإنتخابي غالباً ما يكون عرضة للتلاعب والإنحيازات ممّا يؤثِّـر على نزاهة العملية الإنتخابية ويُساهم في تقوية الفرز الطائفي والتزوير في النتائج.

دستورياً وقانونياً يُفترض ضم الكثير من الإعلاميين والباحثين والخبراء والأكاديميين لدراسة قانون الانتخابات وعدم حصر الأمر بالسّادة النوّاب فقط، لأنّ الانتخابات عمل غير عادي يرسم معالم الحياة السياسية لكل ست سنوات، وهذا النهج المتّبع حالياً وإستناداً إلى العديد من الأكاديميين المتخصصين في الشؤون الإنتخابية يعتبرون «في حالاتكم هذه تتوقف اللعبة البرلمانية في لبنان، لأنّ الانتخابات غالباً ما تكون معلّبة…»، وإيماناً منّا بأهمية ممارستها بالطرق الديمقراطية الصحيحة وحفاظاً على المصداقية المطلوب إشراك متخصصين في الشؤون الإنتخابية وعدم حصرها بالسادة النواب، لنُبادر كمركز أبحاث بطرح سؤال: هل يُعقل أنْ يُشرّع قانون الانتخابات من هم معنيين بهذا القانوني إنها مزحة سمزجة؟؟

من أخطاء الناخبين المفكرين، الإعلاميين، الأكاديميين، رجال الدين (مسيحيين ومسلمين) وغيرهم أنهم يُهملون قراءة التاريخ الإنتخابي وإنطلاقاً من هذه الحقيقة المطلوب دراسة واقع الانتخابات منذ الاستقلال ولغاية اليوم معززة بالوقائع والخِدَع التي تُعتمد عند كل إستحقاق… والدراسة معزّزة بالوثائق والأرقام لدى مركزنا البحثي وهي في واقع الحال تُبرِز حقيقة عمليات التزوير والتضليل كما الصراعات السياسية في كل الاستحقاقات الإنتخابية التي حصلتْ وخصوصاً بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني.

في هذه المرحلة الحسّاسة والخطيرة من تاريخ الجمهورية اللبنانية، ووسط متغيّرات إقليمية – دولية عصفت بالمنطقة وأسقطت أنظمة وتُغيِّر معالم سياسات وتحالفات، وفي الوقت الذي لا يزال هناك تزوير للإرادة الشعبية في أبشع صور تزوير النظام الديمقراطي، فيما هذا النظام السياسي القائم على تزوير الإرادات الشعبية يسعى جاهداً على إخضاع الرأي العام بكل مكوّناته ومحاولة تمرير قانون للانتخابات يُريحه من حيث النتائج ويقضي على إرساء قانون إنتخابي يُجسِّد فعلياً طموحات الشعب اللبناني في إعادة تكوين السلطة على قاعدة ما ورد في مقدمة الدستور الفقرة: /د/ «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية».

الشعب اللبناني على عتبة إستحقاق نيابي مصيري، وهو إستحقاق تاريخي – مصيري يتصل بمحاولات رسم الصورة المستقبلية للوضع السياسي العام في البلاد سواء على مستوى بُنية النظام وعلى مستوى دوره وأدائه وعلاقاته مع محيطه ومع العالم. ثمّة أسباب جوهرية تجعلنا كمركز أبحاث PEAC، نهتّم بهذا الإستحقاق وهو وفق وجهة نظرنا أمر ضروري بما أنّ الانتخابات هي شكل من الممارسة الديمقراطية الأصيلة مهما تكّن هذه الممارسة شكلية أو جوهرية في ظل سلطة تسعى جاهدةً لإبقاء الأمور على ما هي عليه وبوجه خاص في هذه المرحلة من إستبدادها وهيمنتها.

لا غنى من إيجاد نماذج من التواصل مع الأكاديميين والإعلاميين ورجال الفكر في مرحلة ينشد فيها قسم كبير من الناس ولا يُستهان بهم لموضوع الانتخابات وذلك ليس من قبيل مملاءة أو الخنوع أمام سلطات الأمر الواقع لا سيّما تحت تأثير أشكال القمع والتزوير بل لمواجهة تلك الأمور بوعي حقيقي لمصلحة الوطن والشعب الفعلية.

في هذه المرحلة يجب أن يكون هناك سعي جدّي وواسع تقوم به نخبة النخبة لأجـل قانون إنتخاب عصري ديمقراطي وإيصال عدد مؤثِّر من النواّب الشرفاء إلى الندوة النيابية… تحالف أو كتلة لا بد أن يظهر في تلك المرحلة كي يُمهِّد لإنضاج مواجهة ديمقراطية ناجحة على أساس برنامج سياسي متكامل يُزاوج بين المهام الوطنيّة والديمقراطية، وللبحث صلة.

 

* كاتب وباحث سياسي