اطلب الشمع ولو من الصين
الناس في أرجاء العالم يبحثون عن الطاقة النظيفة وفي لبنان نبحث عن طاقة تتحملها جيوبنا النظيفة بعدما عجزت خزينتنا “المفخوتة” عن تأمينها لنا. بين دوامة الاعتمادات وبواخر المحروقات وبين التهديد برفع الدعم والتحذير منه صارت العتمة الرسمية واقعاً لا مهرب منه. وفي انتظار أعجوبة تحلحل الوضع او ترقّعه صار المواطنون يبحثون عن حلولهم الخاصة.
المولدات التي شكلت لعقود حلاً رديفاً لأزمة الكهرباء هي اليوم جزء من الازمة تهدد بدورها بالتقنين وتحذر من خطر داهم. رئيس تجمع اصحاب المولدات عبدو سعادة يسأل عبر “نداء الوطن”: “كيف يمكننا تأمين الإضاءة للناس ونحن نشحد المازوت شحادة. تسعيرة تنكة المازوت الرسمية 27000 ليرة لكننا نحصل عليها من السوق بصعوبة كبيرة ب37000 فيما تسعيرتنا لا تزال كما هي. أما إذا تم رفع الدعم عن المازوت كما يقال فسعر التنكة سيرتفع اربعة أضعاف وتسعيرة المولد لا بد ان تلحقها. فمَن من المواطنين قادر على تحمل هذه الكلفة ومن من أصحاب المولدات قادر على دفع 250 مليون ليرة شهرياً بدل الخمسين مليوناً التي يدفعها حالياً؟”
صرخة قد لا يؤمن بها الكثيرون ممن تلوّعوا من أسعار المولدات ولا تعترف بها مديرية النفط التي تعلن ان المازوت موزّع بشكل كاف في مختلف المناطق، لكن القطاع يئن لا بل يحذر”نحن ذاهبون في أول الأسبوع المقبل لإعلان برنامج تقنين أقله أربع أو خمس ساعات يومياً، تتوزع بين الليل والنهار في اوقات نحددها لاحقاً. لم يتركوا لنا خياراً، كيف نشغل مولداتنا بلا مازوت؟” يقول سعادة ويضيف “حتى لو فُتحت الاعتمادات ودخلت البواخرستستمر الأزمة ولا بد من إيجاد آلية لتوزيع المازوت بالتوافق بين وزارة الطاقة والأمن العام كما حدث في العام الماضي، حيث يتولى الأمن العام تسليم المازوت للجميع بشكل عادل ويضمن عدم احتكاره وتخزينه وتهريبه. وهذه الآلية التي نجحت في الماضي هي الحل السريع الذي يرضي الجميع”. الكرة الآن في ملعب المسؤولين إذاً بحسب سعادة فإما الوقوع في العتمة أو التعاون لإنتشال قطاع المولدات والمواطنين منها.
عودة الى زمن انطوى
لكن وبحسب تجربتنا مع المسؤولين الذين يهوون اللعب على حافة الهاوية فإن خطر الظلمة لا يزال متربصاً باللبنانيين، ومع العتمة تعود بنا الذاكرة الى زمن ظننا انه انطوى الى غير رجعة زمن الشمعة و الـ APS ونتساءل هل يعود عهدهما القوي فيكون الشمع هوالطاقة البديلة والبطارية هي مصانع الكهرباء العتيدة؟
نتوجه الى أحد مصانع الشموع لنسأل صاحبه الأب بيار بو عبدالله عن سعر كيلو الشمع اليوم فيخبرنا أنه وصل السنة الماضية خلال أزمة العتمة الى 20000 ليرة ولكن جملته اليوم باتت 32000 (ويباع بسعر أعلى في المتاجر) نظراً الى ارتفاع كلفة الشحن من الصين التي يتم منها استيراد الكمية الأكبر من مادة البارافين لتصنيع الشموع. طن الشمع يتراوح سعره بين 1200 و2000 دولار ويجب تسديد السعر والشحن بالعملة الصعبة. ويأتي البارافين على شكل بلوكات بوزن خمسة كيلوغرامات للبلوك الواحد. يمكن الاستيراد من تركيا او اوروبا لكن الصين تبقى الأرخص ولو كانت كلفة الشحن منها أعلى.
نسأل أيضاً إذا بدأت المصانع تتلمس بوادر تهافت على شراء الشمع وإذا كان مخزون المادة كافياً في المصانع؟ يجيبنا الصناعي ان المخزون يكفي تقريباً لمدة 15 يوماً إذا كان انقطاع التيار الكهربائي شديداً، فالمصانع لم تستورد كثيراً بسبب الكلفة العالية. لكنه يطمئن ان الظروف مساعدة فنحن الآن في فصل الصيف ولا نحتاج الى إضاءة الشمع قبل وقت متأخر والمدارس شارفت على الانتهاء إذاً فاستهلاك الشمع أقل.
كلفة الشحن وسعر البارافين ليسا الأزمة الوحيدة التي تواجه مصانع الشمع فالصعوبات مختلفة المصادر وإذا ما ارتفعت كلفة الاشتراك بالمولد او تم التقنين يتراجع الانتاج، وإذا أمضى الموظف المسؤول عن توزيع الشمع الى المتاجر والسوبرماركت نصف نهاره ليملأ خزان سيارته بالوقود فالتوزيع يتأثر، هذا عدا تراجع قدرة الزبون الشرائية بحيث لم نعد نشهد، يقول الأب بو عبدالله على شراء كميات كبيرة وتخزين لهذه المادة في البيوت فهل بات على اللبنانيين ان يلعنوا الظلام بدل ان يضيئوا شمعة؟
تقنين حتى في الشمع
نسأل صاحب المصنع إذا كان بالإمكان إعادة تدوير بقايا الشموع المحترقة لا سيما في المعابد والمزارات فيقول ان ذلك ممكن لكن نوعية ومدة الإضاءة تتراجع. فالشمعة الجديدة تدوم عادة 8 ساعات أما الشمع المعاد تدويره والذي تضاف إليه كمية من البارافين فلا يخدم أكثر من 5 ساعات ولا يكون لونه ابيض ناصعاً.
إنطلاقاً من الأرقام التي يقدمها مصنع الشمع يمكننا القول أن اللبنانيين سيكونون مضطرين الى اعتماد التقنين حتى في الشمع. فكل غرفة مثلاً تحتاج الى شمعة وكذلك الممشى والمطبخ وكلفة الشمعة الواحدة حوالى 2000 ليرة اي ان البيت المتوسط يحتاج أقله الى خمس شموع ليلاً اي حوالى 10000 ليرة وما معدله 300000 ليرة شهرياً… اي ان كلفة الشموع في حال حلت العتمة الكاملة تكاد توازي كلفة اشتراك 5 أمبير بالمولد!
وقد حدا الأمر ببعض المؤمنين الى اعتماد التقنين حتى في الشموع المستخدمة للصلاة والتعبد وصاروا يفضلون شراء الشمعة الكنسية الكبيرة التي تدوم لمدة اسبوع كامل بسعر 30000 ليرة و بعضهم اختار “الشعلة المقدسة” المحمولة من قبر السيد المسيح التي لا تنطفئ.
مصنعو شموع الزينة يعانون بشكل مختلف فهم الذين كانوا يعتمدون على مواسم الأعراس و الأعياد والسياحة لتصريف منتوجهم من الشموع يقفون عاجزين تجاه جمود الوضع. ويقول احد أصحاب المصانع ان موسم الأعراس خفيف جداً ولم تعد الكميات المطلوبة لكل زفاف كما كانت في السابق، كذلك ضرب هذا العام موسم الشعانين بسبب جائحة كورونا أما الفنادق التي كانت تستهلك الشموع التزيينية الرفيعة المستوى فبعضها لا يزال مقفلاً فيما البعض الآخر انخفض استهلاكه بشكل كبير، أما المطاعم و الحانات فكأنها ودعت الرومانسية في زمن الغلاء.
ومن جهة أخرى ارتفعت كلفة انتاج الشمع إذ ليس البارافين وحده هو الذي ارتفع سعره بل كذلك الفتائل والصبغة والقوالب وباتت شمعة الزينة تباع بخسارة فالقطعة التي تكلف 50000 ليرة يتم بيعها بعشرة آلاف لأن السوق لا يحتمل أكثر من ذلك ويؤكد صاحب المصنع ان طلبيات كثيرة لم يستلمها اصحابها نظراً لارتفاع سعرها ما زاد من خسائر المصنع ودفعه الى التوقف عن العمل حالياً…
هل تذكرون الـAPS؟
بعد واقع الشمع هذا يبقى البديل الأخير أمام اللبنانيين في مواجهة العتمة جهاز الـ APS الذي يعود بهم الى أيام الحرب اللبنانية بكل مراحلها وتسمياتها. هو جهاز يعتمد بطارية سيارة او شاحنة مع إمدادات معينة لتوليد طاقة منزلية تكفي لإضاءة بضع لمبات… نسأل الاختصاصي في الكهرباء ميشال توما ما إذا كان الـ APS يشكل الحل المنتظر لأزمة العتمة القادمة؟ فيقول ان هذا الجهاز يمكن ان يولد طاقة تتراوح ما بين 70 الى 200 أمبير بحسب حجم البطارية المستخدمة ويمكن ان يضيء عدداً من المصابيح في البيت كما يمكن أن يشغل جهاز الراوتر الخاص بالإنترنت لكن لا يمكن استخدامه لأي جهاز يحمل محركاً كالبراد او المروحة (إلا إذا كان محركها صغير). وكلما ارتفع حجم المصروف اي عدد اللمبات المضاءة قلت الفترة التي يمكن ان تدوم فيها طاقة البطارية. فعشر لمبات مثلاً تجعل البطارية تفرغ بأربع ساعات بينما قد تدوم لست ساعات إذا تمت إضاءة خمس لمبات فقط. لكن المعضلة المطروحة في أزمة العتمة المنتظرة ان الـ APS يحتاج الى وقت طويل لإعادة شحنه فإذا فرغت بطاريته يحتاج ما بين اربع وست ساعات متواصلة لإعادة الشحن، وكيف يتم تأمين هذه الساعات في حال انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة واعتماد اصحاب المولدات بدورهم التقنين؟ هو إذاً لا يغني عن اشتراك مولد ولا يعتبر فعالاً إلا إذا كان التقنين عادياً يتيح إعادة شحنه، أما كلفته فتعتبر عالية لأن جهاز الـAPS وحده يبلغ سعره حوالى 200$ و البطارية بحسب حجمها وعموماً يحتسب دولار واحد لكل أمبيراما التمديدات فكلفتها تبلغ 12000 ليرة للمتر الواحد.
“وعمرو ما يكون في كهربا… على إيام جدك كان في كهربا؟…”، مقولة وجودية لأحد نواب بيروت يستعيدها اللبنانيون اليوم على وقع العتمة المقبلة وهم يتمنون أن يعودوا الى أيام الجدود: أيام كميل شمعون وفؤاد شهاب وعهودهم القوية…