Site icon IMLebanon

من الجميزة إلى خان الخليلي.. إلى سوق الحميدية..

 

 

مشهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خان الخليلي المصري محاطاً بالجماهير الغفورة (دائماً وأبداً)، التي تناست كل قهرها وقبلت بسَوْقها لتحتفل بعفوية فرحةً بما لا علاقة لها به، إنما يعيدنا إلى مشهده في الجميزة البيروتية وجمهورها، الذي خرج عن سابق تصور وتصميم ليكرر أمام رمز الفرنكوفونية مثنى وثلاث ورباع بما يثقل على حاضره ومستقبله.

 

وفي المشهدين حاول ماكرون الإمساك بالعصا من وسطها. ففي الحالة اللبنانية استمع إلى المطالبين بإنقاذهم من “حزب الله” ورأس محوره الإيراني، بعد جريمة تفجير المرفأ. حينها، ولمن يذكر، طيب خاطر الحشود بما يطيب لهم سماعه، إلا أنه بعد ذلك قال بالفرنسي الفصيح إن “الحزب” جاء إلى السلطة بإرادة ناخبيه. بالتالي، هو واقع مفروض على الحياة السياسية اللبنانية، ولا إنقاذ منه. وترجم رسوله جان إيف لودريان فصاحة ماكرون من خلال وده الظاهر لنائب “الحزب” محمد رعد خلال زيارته المكوكية لإقناع الأطراف اللبنانية بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً. وبقي في الوسط بعد هزيمة “الحزب” في حرب الإسناد، وانتخاب جوزاف عون على سدة الرئاسة، ممسكاً بالعصا من وسطها، كما كان واضحاً خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره اللبناني في باريس، عندما تبنى ما قاله عون عن عدم مسؤولية “الحزب” عن إطلاق الصواريخ.

 

وفي رحلته المصرية، بعد مهرجان الخان، كانت الذروة في العريش مع تصريح ماكرون بأن “قطاع غزة يعيش فيه مليونا شخص محاصر، ولا يمكن الحديث عنه كمشروع عقاري”، ليستكمل غداة الرحلة أن “الوقت حان لوضع اللمسات الأخيرة على حركة الاعتراف المتبادل من كثير من الدول، وذلك في حزيران المقبل، خلال مؤتمر حول حلّ الدولتين مع المملكة العربية السعودية”. ويحرص على الوسط بقوله إنه ينبغي على “جميع الذين يدافعون عن فلسطين الاعتراف بإسرائيل بدورهم، وهو ما لم يفعله كثير منهم”.

 

صحيح أن العصا تغلبه في أحيان كثيرة فتميل به يمنة ويساراً حتى تصير مواقفه متأرجحة تحت وطأة التطورات المتسارعة. وصحيح أيضاً أنه يحاول رسم خط دبلوماسي مستقل عن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، آمِلا في الحصول على دور أكبر وامتيازات اقتصادية أوفر.

 

واليوم، لعله يريد من تصريح العريش، وقبله من تبني عدم مسؤولية “حزب الله” عن صواريخ جنوب لبنان، وبالأخص في ظل توتر العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة بفعل زيادة الرسوم الجمركية، رفع الصوت ليقول: “نحن هنا.. ونحن قادرون على فرض معادلاتنا”، لا سيما وأن إعلانه التوجه للاعتراف بدولة فلسطين تزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن.

 

ولكن التجربة تكذب التصريحات الماكرونية، فهو في النهاية سيقف خلف المشروع الأميركي للمنطقة، كما فعل غالباً، حتى لو كانت محطته التالية بعد الجميزة وخان الخليلي هي سوق الحميدية الدمشقي..