Site icon IMLebanon

هل تبقى القرارات حبراً على ورق في بلد تُوجّه النقود اقتصاده؟

 

من إعلان التعثّر إلى تعاميم المركزي

 

لِمَنْ رمى حسان دياب، رئيس مجلس الوزراء اللبناني كرة النار، المتعلقة باستحقاقات دفع أو سداد سندات اليوروبوندز، التي هي عبارة عن ديون لبنان السيادية، والخاضعة لفترات استحقاق، بدءاً من اليوم الاثنين، وعلى مدى الأشهر القليلة المقبلة، في خطوة كانت متأرجحة، ومتوقعة، اتخذتها حكومة «مواجهة التحديات» بالإجماع، وتقضي بتعليق دفع السندات المستحقة، كأول تحدٍ تواجهه الحكومة، التي يخرج الشارع كل يوم، مطالباً باستقالتها، ومعلناً ان لا ثقة لها..

 

وبصرف النظر عن الأسباب الموجبة، المصرَّح بها، والتي تكشف عن شحّ في حيازة المصرف المركزي للأموال بالعملات الصعبة، لا سيما الدولار، في انحياز مكشوف، لتوفير ما يلزم من احتياجات دعم للدواء والقمح، وما يلزم، لهذه الجهة، فإن اسباباً موجبة أخرى، قد تكون وراء الأكمة الحكومية، تتعلق بطبيعة الاشتباك الذي انفجر بصورة جلية بين الطبقة الحاكمة، أو بعضها والمصارف العاملة أو بعضها، على مرأى من الجميع، وبأسلحة القانون، وبتغطيته أيضاً. بصرف النظر عن ذلك، تلوح في الأفق أسئلة من شأنها ان تفتح الباب امام ترقب مجريات الأيام المقبلة، لردات الفعل أو الإنعكاسات.. المؤلمة أو الإيجابية للقرار اللبناني، الذي يعتبره وزير الاقتصاد راؤول نعمة قراراً صحيحاً، وهو يُشكّل، في نظره «الحجر الأساس» لبداية المعالجة الجدية، للأزمات، التي نشأت واستفحلت أيام وخلال عهود الحكومات السابقة، والتي ورثت تركتها الثقيلة الحكومة الحالية، والذي يعد هو، في نظره، وفي نظر الرسميين، أحد حقولها الاقتصادية والمالية.

 

1 – إلام استند القرار الرسمي اللبناني، الذي تعيّن أن يُتخذ بالإجماع، بقرار سياسي كبير، وحده حزب الله جاهر بدعمه على لسان القيادي الشيخ دعموش، في الوقت الذي اعتبره رئيس حزب الكتائب سامي الجميل بأنه إعلان إفلاس الدولة، من قِبل حكومة التكنوقراط (20 وزيراً)؟

 

2 – وسؤال يتفرع عن الأول: هل لدى كل الوزراء الذين ساروا في هذا الاتجاه، الاقتناعات والمبررات المالية والقانونية والتاريخية، التي تبرّر هذه الخطوة.

 

3 – كان لبنان عيَّن بنك الاستثمار الأميركي لازارد، ومكتب المحاماة كليري غوتليب ستين أند هاملتون، قبل أسبوع، لتقديم المشورة الممكنة! السؤال هو: هل القرار الرسمي الحكومي بتعليق الدفع أخذ بما أشار إليه المستشار المالي الدولي، والمستشار القانوني الدولي؟ وما كانت الإستشارة، ولماذا لم يعلن عنها صراحة الرئيس دياب، في كلمته غير المسبوقة، سواء في ما يتعلق بالمكاشفة بحقيقة الوضع المالي، والإضاءة على أسبابه، والتطرُّق إلى عواقبه، بما في ذلك الخيار الإيجابي بالدعوة إلى إعادة النظر بالنموذج الاقتصادي اللبناني- ونقله من الريعيه إلى الإنتاجية (طبعاً ليس بكبسة زر!!).

 

4 – في مفهوم المؤسسات المالية والنقدية الدولية، الإعلان الرسمي اللبناني هو بمثابة إعلان تعثر، السؤال: هل كان حملة السندات، على علم قاطع بالتوجه اللبناني، بعد انتشار معلومات عن خيارات عدَّة، ربما كان من بينها، إرجاء الدفع، أو دفعة أولى، أو مفاوضات تسبق القرار.. إلخ.

 

تفيد تقارير أمس الأوّل الجمعة، أي قبل يوم واحد ان السندات الدولية للبنان استحقاق آذار انخفضت 1.7 سنت، إلى 57 سنتاً في الدولار، وفقاً لبيانات «رفينتيف» بعدما كانت الأجواء، قبل ذلك توحي بإمكانية الدفع لتجنب التعثر..

 

وربما، وراء الأسئلة الأصلية، والمتفرعة اسئلة ثانوية، ولكن مهمة، تأتي في سياقاتها، في ضوء ما ستفعله مجموعات حملة السندات، سواء المحلية أو الدولية  في إشارة إلى ان حوالى 37٪ من الدين العام بالعملة الأجنبية، وفقاً لإحصاءات صندوق النقد الدولي، التي تُشير إلى بلوغ دين لبنان العام نحو 155٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الماضي، بقيمة 89،5 مليار دولار (90 ملياراً حسب بيان الرئيس دياب).

 

المصادر اللبنانية، القريبة من وزارة المال، تتحدث عن اجتماعات قريبة لحملة السندات، أو الدائنين للبحث في الموقف اللبناني، من زوايا عدة:

 

1 – إمكانية التفاوض وكيف!

 

2 – وضع لبنان المالي، الذي يوصف بالصعب..

 

3 – ما يتعين فعله، لجهة المقاضاة، أو إقامة الدعاوى أمام المحاكم الدولية على الحكومة اللبنانية، وما يُمكن أن يترتب على ذلك؟ مع العلم، ووفقاً للاوساط اللبنانية، فإن مجموعة الدائنين تنظر بعين التفهم إلى الموقف اللبناني، وترغب بالتعامل بطريقة عقلانية، وليس انفعالية، مع التطور المتعلق بالموقف اللبناني، الذي يدور لغط حول ما إذا كان ذا خلفيات قانونية، أو النوع من أنواع المواجهة مع المجتمع المالي الدولي..

 

كل ذلك، من زاوية السؤال: لماذا لم تسبق المفاوضات القرار الرسمي، ويتم التوصّل إلى آليات مقبولة، سواء تعلق الأمر بالجدولة، أو الهيكلة والآماد الزمنية الممكنة، والمقبولة..

 

ثمَّة من يربط تعميم مصرف لبنان إلى المصارف العاملة في محاولة منه للسيطرة على سعر الليرة بالأ يشتروا العملات الأجنبية بأسعار تزيد أكثر من 30٪ فوق الأسعار المحددة.. بعدما بقيت الليرة مربوطة مقابل الدولار، بسعر وسطي 1507.5 لكل دولار، لمدة 20 عاماً، لكنها انهارت بعد الأزمة المالية الحادّة، منذ 17 (ت1) 2019، وسط مخاوف في الأسواق المالية من ان ينعكس ذلك، على إعسار جديد، في محافظ المصارف، بعد تراجع التدفقات المالية إليها من الخارج، مع الإشارة إلى ان الاقتصاد اللبناني يعتمد بشكل رئيسي على الواردات، أو الاستيراد، الأمر الذي فاقم من شكاوى النّاس، وعزز الاحتجاجات، في ظل انكماش الإنتاج وزيادة البطالة وارتفاع معدلات الفقر..

 

بدءاً من اليوم الاثنين، يكون لبنان امام اختبارات عدّة، من شأنها ان تحدّد مجرى التطورات اللاحقة، بصرف النظر عن إنزلاق الحكومة إلى اعداد سلسلة من مشاريع القوانين، التي تعتقد انها تحاكي التحولات الجارية منذ 17 ت1 الماضي، وهي تتركز على المضي في رفع السرية المصرفية، مع إعادة النظر في قانون النقد والتسليف، لجهة صلاحيات الحاكم، وحجم المصارف، وطرق الرقابة على سعر صرف العملة، فضلاً عن تشريعات أخرى، تتعلق بوزارة الاقتصاد، والوزارات والصناديق على الجملة، وقانون العقوبات..

 

1 – من الخطوات المتوقعة، قيد الاختيار، التزام أو عدم التزام الصيارفة بتدبير المصرف المركزي لجهة ألا يتعدى سعر الصرف في سوق القطع الـ2000 ليرة لبنانية لكل دولار واحد.. بعدما تجاوز في الأيام القليلة التي سبقت قرار الحاكم يوم الجمعة الماضي سقف 2700 ليرة لبنانية لكل دولار… كتدبير يسرى لستة أشهر، وهي المحاولة الثانية للسيطرة على سعر صرف الدولار… منذ اندلاع الأزمة.

 

2 – معرفة مسار الحركة الاحتجاجية، والذي أخذ في التبلور في الساعات الـ48 الماضية، والتي لم يُعـرف تماماً كيف سينعكس قرار الحكومة بتعليق السداد والاتجاه إلى التفاوض مع حاملي السندات، بعدما علت صيحات هؤلاء بعدم الخروج من الشارع حتى تتوقف الممارسات المريبة المتعلقة بالتلاعب بأسعار العملات واخفاء أو رفع أسعار المواد الغذائية، الاستهلاكية، من قِبل التجار.

 

3 – معرفة مواقف حاملي السندات، والمؤسسات النقدية الدولية مع قرار حكومة لبنان، برفض الدفع، وما يترتب على ذلك، عملياً وقانونياً.. وبالتالي الحدود المسموح بها للحراكيين، في الاعتراض على الفساد، أو التعرّض للمصارف، أو حتى قطع الطرقات..

 

في غمرة القرارات الحكومية والمصرفية والأسئلة والانتظارات والإحتجاجات، يبدو السؤال مشروعاً: كيف يُمكن لبلد مهووس بالنقود، وفي عالم توجه فيه النقود الاقتصاد، التماس خارطة الطريق؟ تعليق الدفع أحد الخيارات، للحفاظ على ما تبقى من نقود، تخفيض الفوائد، للحدّ من حجم المديونية (ألم تكن الفوائد المرتفعة في بلد الجنة الضريبية هي الطريق لجلب النقود، أو ما يسمى بالودائع؟).

 

من الثابت، ان التحدّي الذي يواجه لبنان، هو التحدّي النقدي المتعلق بتوفير العملات الصعبة لدى المصرف المركزي، في ضوء هروب الدولارات أو تهريبها إلى الخارج، ووقف التحويلات إلى المصارف، والتلاعب بالودائع وحجبها، ومسارعة بعض المودعين المحظيين بوضع ودائعهم بالعملات الصعبة في المنازل أو المصارف الأجنبية.. وتعثر وضع أموال سيدر (11 ملياراً) قيد التطبيق، والحصار المالي العربي والدولي المفروض على لبنان.

 

في منطقة تعصف بها المتغيّرات من كل حدب وصوب وبالتزامن مع هبوط حاد في بورصات الخليج، والخسائر المليارية الدولية من جرّاء وباء «كورونا»، من المفيد طرح السؤال الرهيب: هل تبقى كل القرارات حبراً على ورق؟ أم ان الحاضر صورة أكثر اختصاراً لمأساوية المستقبل، في ظل كينزية لبنانية (نسبة إلى المفكر الاقتصادي كينز)، تبحث عن خيارات منهكة ومرهقة؟!