لا يستطيع لبنان، أن يخوض معركة حصرية السلاح، إلْا بالقنابل الصوتية، لذلك أسباب معلنة وأسباب مخفية.
أما الأسباب المعلنة، فمنها القدرات المادية والأثمان الباهظة، والإنعكاسات السلبية، على الصعد كافة: المناطقية والطوائفية والهجرات الداخلية. وما ينتج عن ذلك من قلب الموازين، التي إذا ما بدأت، لا أحد يعرف بنتائجها، ولا أحد يضمن توسّعتها وتأثيراتها السلبية، على الحياة المنتظمة اليوم، والتي شطر منها للحرب ومعاناتها، وشطر منها للسياحة والسهر والحياة الناعمة. وأقرب الاحتمالات، أن لا تبقى المناطق الناعمة البال، ناعمة العيش في الأوضاع النارية، التي تفرز في المناطق الأخرى. وخير دليل على ذلك، ما وصلت إليه الأمور فيها، حين ذرت الحرب الأخيرة على لبنان واللبنانيين قرنها.
أما الأسباب المخفية، فإن الإسرائيليين والأميركيين، لا يعلنون مبكرا عن نواياهم في المنطقة. همّهم أولا بأول، نزع الألغام المتفجرة من دربهم، وتأمين طريقهم، إلى خريطة الطريق للمنطقة كلها، وليس لبنان إلّا جزءا ضئيلا… ضئيلا، منها.
يعرف المسؤولون اللبنانيون، مقدار الصعوبات التي تواجههم، إذا ما نهضوا بالسلاح للإستقواء على السلاح. يخشون الإنقسام على مستوى البلاد، وهم لا يتحمّلون خروج الوزراء ولا غيابهم عن الجلسات، فما بالكم إذا ما استنفرت البيئة كلها للمقاطعة، وخرجت المناطق عندها من الإنضباط، إلى الفلتان.. فكيف يكون حال لبنان؟
يفضّل المسؤولون اللبنانيون القنبلة الصوتية، في وجه السلاح غير الشرعي، وفي وجه الهيئات الحاضنة له، وما أكثرها. فهو لا يستطيع تحمّل «حرب نهر البارد»، في أي منطقة أخرى، نظرا للأوضاع التي استجدت، ونظرا للبيئات الحاضنة. وهم يتذكّرون جيدا «مآسي البارد»، وكيف أنه لا يستطيعون تركه لساعة واحدة، خشية أن يعود إلى ما كان عليه، وهو في الأطراف النائية، فلا مطار قربه، ولا طريق الجبل، ولا طريق صيدا، ولا طريق الجنوب. فكيف يؤمّن السير على كل هذه الطرقات، وإلى المطار والمرفأ؟ وكيف يمكن أن نتصور الحالة الأمنية؟
بإختصار شديد: قرار الحكومة بشأن حصرية السلاح، هو قنبلة صوتية لا بد منها، خشية الضربات الإسرائيلية، وليس خشية الضربات الداخلية. فالمسؤولون اللبنانيون يعون الأخطار كلها، ويلاقونها، بقنابل تحذيرية، لا تحضيرية. وقد عركتهم التجارب السابقة وعجمتهم الحروب الإسرائيلية والفتن الداخلية. وهم إذ «ينفخون على اللبن، لأن الحليب كاويهم». وأما قرارات الحرب والسلم، في الداخل أو في الخارج، فهي ليست تحت أيديهم، لأنها جميعها، تنتظر الإشارات الخارجية.
لا بأس أن تحذّر الحكومة من السلاح غير الشرعي على البلاد، ومن فواتيره الباهظة الأثمان. لا بأس أن تعظّم الحملة في وجه السلاح غير الشرعي الذي أضرّ بالبلاد طيلة مئة عام. لا بأس من الدعوة لتلاقي اللبنانيين على الدستور والميثاق والقوانين، وعلى إنتظام عمل المؤسسات والإدارات. لا بأس من الإجماع على المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات. لا بأس من دعوة جميع اللبنانيين للصعود إلى سفينة السلام. ولكن على المسؤولين أن يعرفوا كيف يديرون دفة سفينة السلام، حتى لا ترتطم بالأمواج العاتية. وحتى لا يتحمّلون كلفة الخراب مرة ثانية.
قرارات الحكومة من «حصرية السلاح»، يجب أن تكون حكيمة، لأنها «أم الصبي». فما تنفع حرب حصرية السلاح، إذا ما إستجرّ ذلك، جميع اللبنانيين إلى حمل السلاح.
الحكومة تقرع الجرس لحصرية السلاح، وتدعو من بأيديهم السلاح إلى الصف، لتقديم التحية للجيش اللبناني، وتقديم السلاح. ولا ضير من القنبلة الصوتية التي أطلقتها، وتطلقها كل يوم. فهي في طويتها، أشبه بقنبلة تحذيرية، يحتاجها من بيدهم السلاح غير الشرعي، لأنه سرعان ما يصير لقتلهم، بدل أن يكون للدفاع عنهم وعن البلاد!
* أستاذ في الجامعة اللبنانية
