يقول هذا المثل العربي إنّ “حليمة” كانت زوجة “حاتم الطائي” الذي كان معروفاً بالكرم والجود، فيما “حليمة” كانت معروفة بالبخل. وكان الزوج يسعى إلى تغيير سلوك زوجته. لكنّ “حليمة” ما لبثت أن عادت إلى سلوكها القديم، فقيل عنها “عادت حليمة لعادتها القديمة”.
وبات يُستخدم هذا الوصف، لوصف الشخص الذي يعود إلى سلوك سيّئ أم عادة سيّئة، بعد أن كان قد تركها أو حاول تغييرها. وهذا هو وضع الحكومة.
دَرَجَت الحكومات السابقة على مدّ يدها إلى جيوب المواطنين، كُلّما شعرت أنّها بحاجة لتمويل أي مشروع، أم لِسّد أي ثغرات. جاءت هذه الحكومة بِنهجٍ جديد عنوانه الإصلاح والترشيد. فتأمّل اللبنانيون خيراً بعد عقودٍ عِجاف من الاستدانة والنهب.
وفي الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، وبعد أن استمعت الحكومة إلى عرض وزير المال. تقرّر إعطاء مِنحة ماليّة للعسكريين وللمتقاعدين، على أن تموّل من رفع الرسوم على أسعار المحروقات السائلة، بما في ذلك المازوت.
مع الإشارة، إلى أنّ هذا القرار اتُّخذ من دون أن يكون جدول الأعمال مُتضمّناً أي دراسة مؤيّدة. ورغم تحفُّظ وزراء “القوّات اللبنانية”.
علماً، أنّ أي فرض لأي رسم أم رفع له، يجب أن يكون مُرفقاً بدراسةٍ مُفصّلة من قبل لجان مُتخصّصة، لا أن يُقرّ استناداً إلى إدلاءات وزير، أم شروحات مُنمّقة.
فضلاً، عن ضرورة أن يكون هذا المَنح شاملاً لكافة أسلاك الدولة وقطاعاتها، فالقطاع العام برُمّته يُعاني، وموّظفو القطاع العام خير إثبات على ذلك.
لكنّ إعطاء المِنح من دون دراسات كافية ووافية، وحصرها بقطاع دون سواه شيء، وتمويل هذه المِنح شيءٌ آخر.
فكان يُفترض بالحكومة أن تموِّل هذه المِنح من تحصيل الرسوم الجمركية ومُعالجة التهرُّب الضريبي والتهرُّب الجمركي. وعدم إرهاق المواطن برسوم وضرائب جديدة تُثقل كاهله.
كان الأجدى بهذا الحكومة تحسين الجباية وترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد. عوض فرض ضرائب جديدة على المواطنين تُرهق كاهلهم.
ألا تُدرك الحكومة أنّ هذا الإجراء يضرب الاقتصاد الشرعي، ويُصيب كافة القطاعات مقتلاً؟
هل تُدرك الحكومة أثر هذا القرار على القطاعات التجارية والسياحية والصناعية والزراعية و….كذا…. وعلى قُدرة المواطن على الصمود في هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة والعصيبة؟
هل تعلم الحكومة أنّه حتّى لو تمّ تحصيل الرسوم الإضافية والجديدة، فإنّها لن تذهب إلى الأسلاك العسكرية، لأنّها تحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب لِفتح اعتماد الصرف؟
فلتعلَم الحكومة أنّ المواطن لم يعُد يحتمل. وعليها وضع خطّة مالية شاملة للدولة، تبدأ من مواجهة التهرُّب الجمركي والضريبي، وتحسين الجباية.
وعندما نقول “عادت حليمة إلى عادتها القديمة” نعني بذلك، أنّ الحكومة عادت إلى النهج الذي كانت تعتمده الحكومات الغابرة، إن كان لجهة العشوائية أم الارتجالية في مقاربة الأمور.
رِهانُنا بالأساس على الحكومة الحاليّة، عنوانه الملفّ السيادي والملفّ الاقتصادي والإصلاحات.
وفي حال ثبوت عجز هذه الحكومة عن معالجة الملفّ السيادي ولمّ السلاح وتوحيد البندقية بِيَد الجيش اللبناني. وفي حال ثبوت عجزها أيضاً عن معالجة الملّف الاقتصادي وتحقيق الإصلاحات. وفي حال ثبوت نهجها في اعتماد أقصر الطُرُق لِجَني الرسوم، عبر تكبيد المواطن وإثقاله بأعباء، عوض محاربة التهرُّب الجمركي والضريبي.
يُصبِح مِن الأنسب للحكومة مراجعة حساباتها، ومن الأنسب لمكوّناتها إعادة حساباتها. فشهادة الزور مِن أعظم الكبائر وأعظم المُنكرات، حيث قال الله سبحانه في القرآن الكريم [… فاجْتَنِبوا الرَّجْسَ مِنَ الأوثانِ وَاجْتَنِبوا قَوْلَ الزّورِ” ] سورة الحجّ 30. ولا يُمكِن لأيّ مؤمن أن يشهد بالزور أو أن يكون شاهداً عليه، والآتي لِناظره قريب.
