IMLebanon

موسم النيران: حرائق أقل وخسائر أكبر

 

 

 

لا تقديرات نهائية بعد للمساحات التي ستلتهمها الحرائق هذا الموسم، إذ لا يزال هناك شهران مفصليان قد يقلبان كفّة الأرقام بفعل شراسة النيران فيهما. غير أنّ المؤشّرات حتى الآن لا تحمل أيّ بارقة أمل، مع احتراق مساحات واسعة من الأراضي نتيجة الجفاف الحادّ والشحّ الكبير في المياه هذا العام مقارنة بسنوات سابقة.

 

المسوحات التي يجريها المجلس الوطني للبحوث العلمية، للفترة الممتدة بين كانون الثاني و16 آب، تؤشّر إلى حجم الكارثة مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي: حرائق متتالية وغير مسبوقة في مثل هذه المدة من السنة. ويوضح رئيس المجلس، الدكتور شادي عبدالله، «أنّنا نسجّل اندلاع حرائق لم تكن تُسجّل عادة في هذه المدة من العام».

 

ورغم تراجع عدد الحرائق هذا العام بنحو 50% مقارنة بالعام الماضي – إذ سجّل عام 2024 نحو 1491 حريقاً (844 في الغابات و647 في الأشجار المثمرة)، فيما سُجّل حتى منتصف آب الجاري 704 حرائق فقط (470 في الغابات و234 في الأشجار المثمرة) – إلا أنّ هذه الأرقام لا تشكّل معياراً حقيقياً ولا مؤشراً إلى تحسّن الوضع، وفقاً لما يؤكّد عبدالله: أولاً لأنّ الموسم لم ينته بعد، إذ يتبقّى شهرا أيلول وتشرين الأول الأكثر خطورة، قبل أن تصبح الأرقام ذات دلالة.

 

وثانياً، والأخطر، هو أنّ حرائق هذا العام كانت أشدّ فتكاً من حرائق العام الماضي، إذ التهمت مساحات واسعة من الأراضي والغابات على نحو غير مسبوق في هذه المدة من الموسم. ويوضح عبدالله أنّ «ما كان يحدث عادة في الخريف بسبب جفاف التربة ويباس الأعشاب، بدأنا نراه في منتصف الصيف: حريق واحد التهم 50 هكتاراً في عكار، وآخر أتى على 40 هكتاراً في الدبّية (جبل لبنان)، إذ لامست النيران المنازل.

 

وبذلك، يتبيّن أنّ حرائق هذا العام، حتى الآن، أكثر شراسة من العام الماضي. وتعزّز هذه النتيجة التقلبات المناخية المتطرفة، إذ أدّى الجفاف إلى تفاقم الكارثة، وانتهى الأمر بابتلاع مساحات واسعة من الغابات والأشجار المثمرة.

 

ولكن، رغم هذا التباين بين الفترتين، إلا أنّ النكبة السنوية التي تصيب عكار تبقى ثابتة، إذ تتعرض المنطقة لخسائر هائلة من الأشجار والمساحات الخضراء.

 

وقد بلغت المساحات المتضررة حتى آخر حريق اندلع في أحراج بلدة البيرة 101 هكتار تقريباً، وتأتي منطقة جبل لبنان في المرتبة الثانية من حيث حجم المساحات المحروقة، بسبب كثافة الغطاء الأخضر في هاتين المنطقتين. أما بالنسبة إلى أعداد الحرائق، فيختلف ترتيب المناطق من عام إلى آخر: في العام الماضي حتى منتصف آب، تصدرت عكار قائمة الحرائق بـ 363 حريقاً، بينما حلّ البقاع هذا العام على رأس الترتيب مع 161 حريقاً، تلته عكار بـ 135 حريقاً، ثم جبل لبنان (117)، والجنوب (110)، والنبطية (73)، والشمال (60)، وأخيراً منطقة بعلبك – الهرمل (31).

 

حرائق متتالية وغير مسبوقة في مثل هذه الفترة من السنة

 

 

إلى جانب الجفاف الذي أسهم هذا العام في ندرة المياه وصعوبة إطفاء الحرائق، ثمة عوامل أخرى لا تقل أهمية، أبرزها العامل البشري. إذ يستغل البعض موسم الحرائق لتعزيز تجارة الحطب والفحم. كما تتحمل الدولة مسؤولية كبيرة بسبب قصورها في تأمين المعدات والآليات اللازمة لأجهزة الدفاع المدني والإطفاء لمواجهة الحرائق.

 

ويلفت عبدالله إلى أن أكثر ما يثير القلق هو ندرة المياه وغياب التجهيزات الكافية، رغم وجود خطط طوارئ وخبرات لدى فرق الاستجابة الأولى والدفاع المدني والجمعيات المحلية.

 

لكن «ما ينقص فعلياً هو الدولة»، وهو ما يُلمس كل موسم، رغم الجهود المبذولة من هذه الفرق وبعض الوزارات المعنية. وليس أدلّ على ذلك من تعليق مرسوم تعيين حراس الأحراج تسع سنوات كاملة بسبب المعيار الطائفي ليصدر أخيراً مع بداية موسم الحرائق في 22 حزيران، من دون أن يتمكن هؤلاء من مباشرة أعمالهم قبل إنهاء مدة التدريب.

 

إضافة إلى ذلك، أسهمت الأزمات الأخيرة في تعديل أولويات المساعدات التي كانت تصل من بعض الجمعيات والمنظمات، ما أثر سلباً في تأمين الموارد الضرورية لمواجهة الحرائق.

 

«تحالف» المناخ وإسرائيل

وإذ أصبحت هذه العوامل جزءاً أساسياً من الـ«باكيج» المصاحبة لكل موسم حرائق، كان عام 2024 استثناءً بين الأعوام الممتدة من 2016 حتى 2025، إذ دخل فيه عامل إضافي مفصلي، جعل منه «عام النكبة». ففي السنوات التسع، سجّل المجلس الوطني للبحوث العلمية 33,880 حريقاً، لكن عام 2024 وحده شهد 6,412 حريقاً، بفارق نحو 2000 حريق عن أعلى معدل سابق سُجّل في 2016 (4,515 حريقاً) و2013 (4,276 حريقاً).

 

ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تعمّد العدو الإسرائيلي، خلال العدوان الأخير، إحراق ما يقرب من 8,600 هكتار من الأراضي بالقنابل الفوسفورية، منها 2,600 هكتار غابات، و3,900 هكتار أشجار مثمرة، وحوالى 2,000 هكتار مساحات عشبية. واندلعت النسبة الأكبر من هذه الحرائق بين تشرين الأول 2023، وتشرين الثاني 2024، وسجّل فيها 195 حريقاً متعمداً معظمها في محافظتي الجنوب والنبطية، مع نحو 36 حريقاً بعد وقف إطلاق النار توسّع فيها العدو نحو محافظتي بعلبك – الهرمل وجبل لبنان.

 

هكذا اجتمع في هذا العام ما لم يكن يحدث سابقاً: عوامل مناخية قاسية، وشراسة العدوان الإسرائيلي، لتزيد المساحات العارية في البلاد من الأراضي الزراعية والغابات، مسببة دماراً واسعاً.