Site icon IMLebanon

عن الحقيقة المرّة… والنقاط الساخنة

 

خلال زياراتها إلى بعض الدول الكبرى، وقفت شخصيات لبنانية سياسية ورسمية على ما تسمّيها «حقيقةً مرّة»، والتقطت «إشاراتٍ مُقلقة» من أكثر من جهةٍ غربية وشرقية، حول صيفٍ شديدِ السخونة.

 

أما الحقيقة المرة، فهي حول لبنان وموقعه في الخريطة الدولية في هذا الوقت، إذ خلافاً لكل ما يسمعه اللبنانيون بدءاً من المواطن العادي وصولاً إلى أرفع مسؤول في الدولة، من كلام دولي عن حرص على لبنان واستقراره وما إلى ذلك من مفردات جميلة، فكل ذلك أشبه بشيك بلا رصيد، ذلك أنّ لبنان الذي يصارع اليوم أزمة اقتصادية خانقة، هو خارج أجندة الاهتمامات والأولويات والمتابعات الدولية لما يجري فيه، بل بالكاد يكون له ذكر أو حتى حضور رمزي ربطاً بملفات المنطقة، حتى في موضوع العقوبات الأميركية التي تقلق اللبنانيين فهي ما تزال محصورة بنطاق «حزب الله»، ولم يصل التفكير فيها بعد إلى توسيع نطاقها، على رغم الجهود التي يبذلها بعض اللبنانيين ممَّن يحملون الجنسية اللبنانية، لحمل الإدارة الأميركية على توسيع نطاق هذه العقوبات لتشمل حلفاءَ الحزب، وكلّ مَن له علاقة به.

 

والمثير للانتباه في هذا السياق، وفقاً لما استخلصته تلك الشخصيات، هو حتى إنّ القيّمين على مؤتمر سيدر، والمتحمّسين له وتحديداً فرنسا، باتوا يتحدثون عن هذا المؤتمر وكأنه أصبح من الماضي، ويقاربون الموقف اللبناني بكثير من التشكيك بجدّية توجّه لبنان للاستفادة من هذا المؤتمر، وأيضاً بالاتهام بأنّ بعض المسؤولين في لبنان يتعمّدون إفشاله، بدليل الإبطاء المقصود من قبل اللبنانيين في وضع التحضيرات اللازمة بـ«سيدر» ومتطلباته.

 

وبالتالي أمام هذا الوضع لن يكون مفاجئاً أبدأ إن تقرَّر صرفُ النظر عنه في أيِّ لحظة. ومن الصعب بعدئذ على لبنان أن يجد مَن يمدّ له يد المساعدة، خصوصاً وأنّ مستقبل المنطقة يكون له غموضٌ رهيب وخطير.

 

وأما الإشارات المقلقة، فكانت متعددة ومن مصادر مختلفة، حول أنّ المنطقة على شفير تطورات مهمة، وكلها قريبة وبعضها بالغ الخطورة. يمكن إنجازها بثلاث نقاط ساخنة:

 

– الأولى، ما تُسمّى «صفقة القرن». التي أوشكت أن تعلن، وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال إنّ تحضيراته لها قد اكتملت والإعلان عنها سيتمّ خلال حزيران المقبل.

 

تكمن الخطورة هنا، في أنّ الصفقة، يمكن أن تحتمل أيضاً تسمية «انقلاب القرن»، الخطيرُ فيه ليس فقط تحقيق حلم إسرائيل ومحو القضية الفلسطينية، بل إنّ ارتداداته أوسع من فلسطين، ومن شأنها أن تُحدث تغيّراتٍ جذرية في الحدود السياسية والجغرافية لبعض دول المنطقة.

 

وأما لبنان فإنّ شعار «الناي بالنفس» الذي يرفعه، لا يتمتع بالصلابة المفترَضة، التي تمكّنه من صدّ رياح «الصفقة» إن هبّت عليه، وما يثير القلق أكثر، هو أنّ أصحابَ «الصفقة» من الأميركيين، يتحدثون عنها بوصفها خشبة خلاص الشرق الأوسط، ولا ينفون أن يكون لبنان ضمن الدائرة التي ستتأثر بها «إيجاباً» من وجهة نظرهم، وأما التأثير السلبي فحجمُه يحدّده موقفُ لبنان، وتحديداً ردّة فعل «حزب الله» إن قرّر القيامَ بما يسمّونها «مغامرة».

 

– الثانية، الميدانُ السوري، فالتطورات المتسارعة فيه فرضته بعد فشل التسوية السياسية بنداً شديدَ السخونة على مائدة الدول الكبرى، وعلى وجه الخصوص الدول المتقاتلة في سوريا.

 

فالحديث يتنامى عن إعدادٍ روسيّ- سوريّ لـ«معركة الحسم» في إدلب، باعتبار هذه المحافظة السورية تشكل آخر مراكز تكدّس المجموعات المسلمة في سوريا. فإن فُتحت المعركة، قد تعيد خلط الأوراق وتفرض أمرَ واقعٍ جديداً لا يقبل به الأميركيون، وقد لا يناسب الإيرانيين، في ظلّ الحديث عن تعقيداتٍ تتصل بعلاقتهم مع الروس والإيرانيين، التي ازدادت إرباكاً بعد تسليم رفاة جندي معركة السلطان يعقوب الى إسرائيل.

 

والأمر نفسه بالنسبة الى تركيا التي تعتبر نفسها معنيّةً أكثر من غيرها بأيّ تغيير في الوضع القائم حالياً في هذه المحافظة السورية، وهي لا تخفي سعيَها لأن تكون حديقةً خلفيةً لها في الأرض السورية.

 

والمعركة إن وقعت ستشكّل تحدّياً كبيراً لها، أهمها فقدان الهيبة، بعدما قدّم رجب طيب أردوغان نفسَه كمدافع عمَّن يسميهم «المسلمين المضطهَدين»، والأخطر من ذلك أنّ المعركة تهدد تركيا بموجة جديدة من اللاجئين، تقدَّر بمئات الآلاف.

 

في خلاصة هذا الكلام، يبدو أنّ إدلب ذاهبةٌ نحو المعركة الحتمية، لكن هذا لا ينفي احتمالَ أن يكون الحديث عنها ما هو إلّا محاولة روسية للضغط على الأتراك لوقف المماطلة في تنفيذَِ تفاهماتِ سوتشي. بالتأكيد أنّ الايام المقبلة ستحمل الجواب إن على المائدة السياسية، أو في الميدان العسكري.

 

– الثالثة، إيران، في ظلّ قرار واشنطن إنهاء إعفاءات استيراد النفط الإيراني. الواضح أنّ ترامب يريد إخضاعَ إيران. ولكنّ ثمّة مشكلة تواجهه، وهي أنّ تداعيات إنهاء الإعفاءات لا تقتصر على إيران، بل تطال الكثير من الدول الغربية.

 

وثمّة اصوات دولية تعالت اعتراضاً على هذا الامر، اضافة الى تساؤلاتٍ طرحها معلّقون أميركيون عمّا اذا كان هذا القرار قد دُرس بعناية، مترافقة مع تخوّف من أن ينعكس وقفُ الاعفاءات إفادة لـ«أعداء» أميركا، مثل روسيا، وسلبيات على الاقتصاد الأميركي وارتفاعاً بأسعار الوقود امام المواطن الأميركي.

 

لا يبدو أنّ ترامب في وارد التراجع عن قراره، وإن شعر أنّ قرارَه لن يحقق هذا الهدف، فلن يستطيع التراجع، ذلك أنه إن تراجع فسيُعتبر ذلك استسلاماً امام إيران يُحبط جهوده للفوز بولاية رئاسية ثانية، وهنا لا يبقى امامه سوى اللجوء الى «خيارات كبرى» واولها الخيار العسكري، سواء عبر الجيش الأميركي مباشرة، او عبر إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل. ومعنى ذلك، فتح المنطقة على جحيم، وبالتأكيد ستكون لهذا الجحيم أثمانٌ وأكلافٌ كبرى، من الصعب تحديد مَن سيدفعها منذ الآن.