Site icon IMLebanon

الرؤساء السابقون: مع الحريري… ومع التعطيل

     

مرة جديدة يحوز الرئيس سعد الحريري من الرؤساء السابقين للحكومة جرعة دعم إضافية، يحتاج إليها بإزاء المأزق الذي تواجهه حكومته مذ قرر تعليق اجتماعاتها. من غير إخفاء ملاحظاتهم، مرة أخرى يعززون حججه دفاعاً عن صلاحياته الدستورية

 

في أسبوعين اجتمع الرؤساء السابقون برئيس الحكومة ثلاث مرات: في 10 تموز في غياب الرئيس نجيب ميقاتي، ثم في 14 تموز عشية ذهابهم، ميقاتي والرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، إلى السعودية، والبارحة. العنوان الرئيسي الذي يحملونه الدفاع عن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء. في السياق نفسه كانت زيارة أمس.

 

ليس سرّاً أنّ الرؤساء السابقين للحكومة، منذ اجتماعهم الأول في 30 حزيران 2018، ينظرون بكثير من الاهتمام إلى الدور الذي يضطلعون به، ويعترفون بالحاجة إلى استمراره في ضوء ما يجبهه، تبعاً للحجج التي يسوقونها، خلفهم في السرايا.

يقولون إنهم أرسوا سابقة غير مألوفة، هي وجود تجمّع لرؤساء الحكومات السابقين لم تختبره الحياة السياسية اللبنانية التي عرفت أنماطاً قريبة منهم، لكن من تجمّعات أوسع ضمت نظراءهم ووزراء ونواباً وشخصيات سنّية تحت عباءة مفتي الجمهورية. تلك كانت حال قمم عرمون في السبعينيات – ولم تكن هذه سنّية فحسب – وكذلك التجمع الإسلامي ما بين منتصف السبعينيات ومنتصف الثمانينيات قبل تفرّقه.

يقولون أيضاً إنهم يرومون تحوّل دورهم مؤسسة في ذاتها للدفاع عن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، أيّاً يكن شاغله، انطلاقاً ممّا نصّ عليه اتفاق الطائف. ينظرون إلى موقعهم على أنه جزء من ثالوث يدافع عن مصالح الطائفة السنّية، شريكاهم فيها دار الإفتاء ورئيس مجلس الوزراء. وهو مغزى استنفار هذا الثالوث كلما شعر بـ«اعتداء» على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء.

يذهبون إلى أبعد من ذلك، كي يقولوا إن دورهم هذا، منذ زيارة السعودية في 15 تموز، مرشح لمزيد من تطوير التحرّك الخارجي وعدم قصره على السرايا، وهم في صدد التحضير لزيارة مصر ودول خليجية أخرى، بعدما كانوا السبّاقين إلى طلب مقابلة الملك سلمان ثم زيارته. عادوا بانطباعات إيجابية بعد تلقفهم أكثر من إشارة إلى رغبة سعودية في استعادة الرياض حضورها في لبنان. أضف أن تجربتهم الجديدة ترسل أكثر من إشارة دعم وتضامن مع الحريري، أبرزها إصرارهم على أن لا بديل منه في رئاسة الحكومة، كما على رفض أي تفكير يقضي باعتكافه أو استقالته. تبريرهم الرئيسي في هذا الجانب أن تكتلهم يفصح عن عدم عزم أي منهم على خلافة الحريري.

ليس بعيداً من هذه الحجج أن يقول الرؤساء السابقون للحكومة إنهم يجارون الحريري في وجهة نظره، عدم دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، في الوقت الحاضر، ما لم تذلَّل كل الاعتراضات التي يبديها لتبرير رفضه توجيه الدعوة، خصوصاً ما يتصل بحادثة البساتين.

بكثير من التفهّم يجد الرؤساء السابقون أعذاراً اساسية كي يشجعوا الحريري على خياره الأخير، وتأكيد دعمهم له، هم الذين خبروا، على مرّ الحكومات الأربع التي ترأسوها ما بين عامي 2005 و2016، ناهيك بتلك التي ترأسها الحريري نفسه، إرباكهم كرؤساء لمجلس الوزراء إما بالتعرّض لصلاحياتهم، أو بعرقلة جلسات مجلس الوزراء، والانقطاع عنها وأحياناً وقتاً غير قصير.

يؤيد الرؤساء السابقون امتناع خلفهم عن دعوة مجلس الوزراء إلى الالتئام استناداً إلى أسباب:

أولها، تأكيد إصراره على صلاحياته الدستورية في شقي أنه صاحب اختصاص الدعوة ووضع جدول الأعمال. هو تالياً يملك حق تقرير مبررات انعقاد الجلسة وما يقتضي مناقشته فيها.

ثانيها، رفضه سلفاً إملاء أي موقف عليه في ملف حساس اتخذ منه موقفاً علنياً معاكساً. بذلك، من غير أن يحتكم إلى التصويت في الجلسة، أو يجد نفسه ملزماً بالاحتكام إليه، يرفض فكرة استدراجه إلى إجراء يُراد منه الحصول على تغطية مجلس الوزراء، في وقت ينظر الحريري إلى أنّ إحالة حادثة البساتين على المجلس العدلي تستهدفه، كما لدوافع أخرى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. مقدار تمسكه بصلاحيته الحصرية بوضع جدول أعمال الجلسة، لا يريد تسجيل سابقة فرض بند عليه لا يحظى بموافقته، وفي الوقت نفسه إشعاره بشركاء له في صلاحيات لا يمنحها الدستور لأيٍّ منهم.

 

عطّل الحريري انعقاد مجلس الوزراء لئلّا يُفرَض عليه قرار يرفضه

 

ثالثها، في ظاهر حادثة البساتين أن مجلس الوزراء، ما إن يضع يده عليها، سينقسم مناصفة بين أعضائه (15 وزيراً في مقابل 15 وزيراً). في باطنها تنتهي الجلسة إلى إحالة الحادثة على المجلس العدلي بفعل إخلال محسوب في موازين القوى، وإن بفارق صوت واحد. ما يفضي إلى النتيجة نفسها: فرض غالبية مجلس الوزراء على رئيس المجلس قراراً لا يزال يرفضه. لا يملك أن يمنع التصويت على قرار أو موقف ما إن يصبح بين يدي مجلس الوزراء، إلا أن صلاحياته الدستورية تنيط به ألّا يصل إلى هذه اللحظة. بذلك، يؤيد الرؤساء السابقون الثلاثة حقه في الدفاع عن هذه الصلاحية الصلبة والقوية.

رابعها، رغم يقين الرؤساء السابقين من رهان الحريري على عدم الخلاف بينه ورئيس الجمهورية ميشال عون مذ أبرما تسوية 2016 – ولم يكن الثلاثة إلى جانبه فيها – إلا أنه لم يعد يجد ضالته فيه لوقف مضايقات الوزير جبران باسيل وإثارة العواصف في وجهه، مرة بعد أخرى، ونقل الاشتباك من الشارع إلى داخل مجلس الوزراء وتعطيله تالياً. ذلك ما حدث في حادثة البساتين منذ 30 حزيران، ولا تزال تداعياتها، وأضحى التئام مجلس الوزراء رهين الاتفاق عليها جراء الانقسام الحاد الذي انتقل إلى صفوفه.

خامسها، لا يقلّلون مآخذهم على طريقة مقاربة خلفهم الأحداث، ولا كذلك ردود فعله القليلة الفاعلية إلى حد الانكفاء والتجاهل، بما في ذلك تعامله مع باسيل على أنه الوزير الأول أو الرئيس الظل. لم يُرضهم تصرّفه يوم أقدم على إصدار بيان تلا اجتماعاً عقداه في 17 حزيران. من غير المألوف لرئيس للحكومة إصدار بيان عن اجتماعه بوزير كما لو أنه ندّه، ناهيك بالاتهامات التي كان الحريري ساقها إليه في مؤتمر صحافي لأيام خلت، في 11 حزيران، لم يوفر باسيل من غير أن يسميه من انتقاداته بعد بضعة مواقف أدلى بها وزير الخارجية في جولته على البقاع.