Site icon IMLebanon

يبقى للسنيورة سبق الفضل في كسر المقاطعة وتأمين الغطاء للمشاركة

 

مواجهة الاحتلال الإيراني وترتيب البيت السُّنّي أبرز تحديات النواب السياديين

 

 

إنجلى غبار المعارك الانتخابية على مشهد كسر المقاطعة وطيّ صفحتها وخسارة «حزب الله» الأغلبية النيابية، بعد أن كان رهانه الأكبر على الفراغ في الساحة السنية لاكتساح مقاعدها والحصول على أغلبية مريحة في مجلس النواب، لكنّ رياح الانتخابات لم تجرِ كما اشتهت قيادة الحزب لتكون نهاية المشهد مجلساً نيابياً لا يعبأ بتهديدات النائب محمد رعد بالحرب، ولا يسلّم بانتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة البرلمان، ويضع السلاح غير الشرعي في مقدمة جدول أعمال أغلبية أعضائه الجدد، ويريد قيام الدولة السيدة والمستقلة ويرفض التعايش مع الدويلة.

 

بين المقاطعة الزرقاء  والتيئيس الأصفر

بعكس ما كان الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله وبعكس ما كانت القيادات والمواقع المستقبلية تروّج، بأنّ الانتخابات لن تغيّر شيئاً في المعادلة، جاءت النتائج معاكسة بشكل صادم لأصحاب هذا التوجه، فخسر الحزب الأغلبية البرلمانية، ولم يستطع تيار المستقبل أن ينتصر بدعواته للفراغ، رغم كلّ محاولات نصرالله تصوير أنّ حزبه بقي بمنأى عن التغيير الكبير الذي حصل في هذا الاستحقاق.

فضل السبق في كسر المقاطعة

لكنّ الانتصار الذي حقّقته القوى السيادية والتغييرية لم يكن ليحصل لولا الخرق الأول للصمت والعجز السياسي الذي ساد بعد إعلان الرئيس سعد الحريري، وكان أول المبادرين لكسره الرئيس فؤاد السنيورة، الذي أطلق مبادرته في اللحظة الحرجة، داعياً إلى المشاركة ترشيحاً واقتراعاً، ملاقياً موقف سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في خطوتين أسّستا لانطلاق عمليات المشاركة وتأمين الغطاء في الشارع السني لجميع المرشحين والناخبين، ولو كانوا على خلاف مع الرئيس السنيورة.

السهام ضد «بيروت تواجه»

هذه الوقائع، من الضروري استحضارها خلال تقييم هذه الانتخابات النيابية، وكان من نتائج موقف السنيورة، أن يصبّ الرئيس سعد الحريري وأمينه العام أحمد الحريري جامّ غضبها على اللوائح المدعومة من الرئيس السنيورة، وخاصة في بيروت حيث ركّزت الحملات الزرقاء جهودها لإسقاط هذه اللائحة، رغم حرص السنيورة على رفض فكرة الوراثة السياسية، وتأكيده أنّه لا يسعى لوراثة الحريري.

تلقّت لائحة «بيروت تواجه» أغلبية سهام الاستهداف من الرئيس سعد الحريري وأمينه العام وذبابه الأزرق، حيث تركّز هدف هؤلاء على إسقاطها، انتقاماً من الرئيس السنيورة لدوره في تأمين الغطاء السياسي والتعاون مع مفتي الجمهورية في توفير الغطاء الديني في وجه دعوات المقاطعة.

على هذه الخلفية، تعرّضت صناديق دائرة بيروت الثانية للكثير من التلاعب والتزوير طال بشكل أساس أصوات لائحة «بيروت تواجه»، وتحديداً أصوات الوزير خالد قباني والمرشحة المحامية زينة المصري، وهذا ما أكّده أحد أبرز منافسي اللائحة النائب فؤاد المخزومي الخميس 19 أيار 2022 من دارالفتوى.

صمود السنة وسقوط حلفاء الحزب

أثبتت نتائج الانتخابات النيابية أنّ مبادرة الرئيس السنيورة لمقارعة المقاطعة والدعوة إلى المشاركة، كانت عين الصواب، وأنّها كانت لمصلحة اللبنانيين وأنّها كانت ضرورية لملاقاة سائر القوى السيادية والتغييرية في مساعيها لكسر هيمنة «حزب الله» على الحياة السياسية.

من مفاعيل مبادرة السنيورة، إضافة إلى كسر المقاطعة وتأمين أجواء المشاركة، أن صمدت المناطق السنية في وجه غزو «حزب الله» وامتداداته، من دون وجود الحريري، بل وإسقطت العديد من رموزه، ووضع البقية على حافة السقوط الشعبي والسياسي في طرابلس والبقاع والجبل.

فشل الرئيس الحريري في إسقاط تحالفات القوات اللبنانية مع الشخصيات السنية رغم نجاحه في إعاقتها في مواضع عدة، وخاصة في البقاع، حيث دفع محمد القرعاوي ثمن ممارساته الفتنوية التي خاضها علناً تحت شعار الانتقام من القوات «ثأراً» للرئيس سعد الحريري.

جاء الانتصار الأبرز لتحالف القوات مع أهل السنة في طرابلس، حيث أثبت أهلها أنّهم قادرون على اتخاذ قرارهم وعلى تعزيز الشراكة الإسلامية المسيحية، فأوصلوا مرشح القوات وابن المدينة الياس الخوري إلى الندوة البرلمانية بنسبة أصوات غير مسبوقة لمرشح على هذا المقعد

خرجت على هذا السياق دائرة الشمال الأولى (عكار) لأسبابٍ كثيرة، منها إهمال القوى السيادية لشروط النجاح في هذه الدائرة، التي عمل فيها «حزب الله» بشكل علني منذ أشهر طويلة، من خلال المازوت والمساعدات المالية فضلاً عن الاختراقات التي سبق له أن حقّقها في جسم المشايخ والمجموعات المرتبطة به مالياً وسياسياً.

مكانة السنيورة السياسية

جاء موقف النائب المخزومي وكشفه التزوير بحقّ لائحة «بيروت تواجه»، ليؤكد أهمية موقع الرئيس السنيورة في الحياة السياسية، وأنّه لا يزال يحتلّ موقعاً مؤثِّراً فيها، كما يؤكِّد القيمة الوطنية التي يتمتع بها الوزير خالد قباني بحيث أجمع منافسوه على نزاهته على أهمية وصوله إلى الندوة  البرلمانية.

واقع الحال أنّ مكانة الرئيس السنيورة لا ترتبط بالحجم النيابي، بقدر ما ترتبط بقدرته على العطاء السياسي، وخاصة في مواجهة الاحتلال الإيراني، وهو صاحب الباع الطويل في هذا الصراع، كما يحتاج أهل السنة إلى إعادة صياغة التجارب التنموية لتواكب المرحلة الأصعب في تاريخ لبنان الحديث.

ترتيب البيت السني

في الساعات الماضية زار النائب أشرف ريفي الرئيس السنيورة في إطار إعادة ترتيب الأوراق بعد الانتخابات، والحاجة إلى استكمال مسار حماية البيت السني من تداعيات محاولات فرض الفراغ عليه بأشكال مختلفة وهدفٍ واحد يلتقي عليه المستفيدون منه: منع قيام قوة سنية سيادية تقيم الشراكة مع القوى السيادية الوطنية المسيحية بشكل خاص، وهذا هو سرّ الحملات المشتركة التي شنّها تيار المستقبل و»حزب الله» على القوات وشركائها من أهل السنة في الانتخابات.

العامل السيادي يجمع

موقف النائب المخزومي من دار الفتوى يفتح الباب لطيّ صفحة التنافس الانتخابي، وفي حال مواصلته وثباته على موقفه من «حزب الله» ومن سلاحه غير الشرعي، فإنّ هذا يؤسّس لحوار بنّاء على المستوى السني يسهم في تشكيل إدارة سياسية للشأن السني لا يجب أن تستثني أحد من دعاة السيادة والحريات والمقاومة السياسية، وهذا يعني فتح أبواب دار الفتوى أمام الدعوة المتجدّدة لتجمع النواب والنقباء وقادة الرأي السنة فيما يمكن اعتباره بحكم الأمر الواقع قيادة جَماعية انتقالية تشاورية تجمع الهيئات والجمعيات والكفاءات، وتعيد الاعتبار لأهل السنة في المعادلة الوطنية وفي مواجهة التحديات الهائلة التي تزحف على الكيان اللبناني.