ليس الحديث الاسرائيلي، العلني، عن الاحتفاظ بنقاط عسكرية استراتيجية تبلغ خمس، على حد قولهم، هو اوقح ما يخرج عن الاحتلال، بل هي غطرسة “المنتصر”، او الذي يعتقد نفسه كذلك، والذي يحاول كسر ارادة “حزب الله” وكل اللبنانيين بالقول إنه قادر على فرض الشروط.
الثلاثاء المقبل، في 18 من الشهر الحالي، تنتهي المهلة الممددة المفترضة لاستكمال انهاء الاحتلال الاسرائيلي سحب جيشه من لبنان، والذي كان مقررا مع انقضاء مهلة الـ 60 يوما فور التوصل الى تفاهم وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، لتطبيق القرار 1701.
لكن اسرائيل ما زالت تماطل ولا ترى نفسها مجبرة على ذلك في ظل موازين قوى لصالحها، في المنطقة برمتها، لا سيما بعد ما حدث في سورية وتوسعها الدراماتيكي هناك في مناطق استراتيجية وذات ثروات مائية، خاصة وان ما حدث كان لاحقا لما حصل في لبنان.
من المنظار الأمني، وضعت الحكومة الاسرائيلية موعدا تفصلنا اياما عنه لإعادة المستوطنين الى الشمال. هي تستطيع ذلك، لكنها تريد اثبات انها مرتاحة امنيا ومسيطرة على الارض، لكن الأهم، تريد فرض جوا من الرهبة لم يشكل خرقها الاخير لجدار الصوت سوى مثالا بسيطا عليه بعد كل خروقاتها العسكرية والامنية الماضية.
ينتشي رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بانتصاره في الشرق الاوسط، ويحظى بدعم غير مسبوق من الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، الذي يقدم له هدية معنوية في اكثر ملف يهمه في المنطقة وهو ملف تهجير الفلسطينيين نحو البلاد العربية.
طبعا الامور بخواتيمها، وحتى تبين فشل هذا الرهان وغيره، سيبقى الاسرائيلي على غطرسته بخروقاته.
واليوم في لبنان يتمسك، حتى اللحظة، بتلال يعتبرها حاكمة تتمحور خاصة في القطاع الشرقي مثل الحمامص وجبل بلاط ومارون الراس، واللبونة في الغربي وغيرها.. وقد تكون أكثر في انتظار الايام المقبلة، علما ان الاسرائيلي اعلن ذلك خلال اجتماعات اللجنة الخماسية، علما ان البعض يقول إن المسوق للفكرة هو الأميركي، لكن في كل الأحوال رفضها لبنان.
في الأثناء تُطرح صيغة فرنسية قوامها الحلول مكان الإسرائيلي بعد انسحابه، لكن الأخير رفض اي وجود فرنسي ولو من “اليونيفيل” مثلما رفض الأخيرة مع الجيش اللبناني!
في الموازاة ثمة طرح لتواجد اميركي يرفضه لبنان ولو كان ضمن اطار قوات للأمم المتحدة.. ناهيك عن طروحات غير ذات معنى مثل تواجد شركات أمنية على الحدود!
لكن مهما كان الأمر فإن اسرائيل لا يمكنها المكابرة طويلا والاستمرار باحتلالها، ثم انه بالعلم العسكري وبوجود الوسائل الإلكترونية والحديثة والتكنولوجية الكاشفة والأقمار الصناعية والحساسات والكاميرات والمناطيد.. يمكن الاستعاضة بها عن الاحتلالات الجغرافية الترابية المباشرة..
في كل الأحوال، سيكون لبنان بعهده الجديد، رئيسا وحكومة، امام امتحان فريد من نوعه، ديبلوماسي مقاوم، سيمهد الطريق امام كباش هام يتعلق بما هو أكبر، بمفاوضات الترسيم براً وربما بحراً، وبمقاربة ملف مزارع شبعا القائم بذاته.
